.................................................................................................
______________________________________________________
وسفيرا إلى خلقه ، فببعثته يثبت له منصب المخبرية والسفارة ، وللنبوة حينئذ معنى فاعلي لا مفعولي ، لأنها بالمعنى الأول أمر واقعي ، لأن النبي ممن أنبأه الله تعالى بمعارفه ، لا أمر اعتباري.
ثالثها : أن يراد بالنبوة المستصحبة أحكام شريعة يشك في منسوخيتها بشريعة أخرى. فهذه احتمالات ثلاثة لا بد من ملاحظة كل منها.
فان أريد بها المعنى الأول ، فلا يجري فيها الاستصحاب ، إما لاختلال ركن الشك في البقاء ، وإما لاختلال شرط جريانه أعني كون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي.
أما اختلال الشك فلأجل أن الشك في بقاء النبوة بمعنى المرتبة القدسية لا بد أن يكون إما لانحطاط نفسه المقدسة أو للموت أو لمجيء نبي آخر ، والكل غير معقول.
أما الأول ـ وهو الّذي اقتصر عليه في المتن ـ فلأن الانحطاط إنما يتصور في الملكات الحاصلة للنفس بالتخلق من تحليها بالفضائل بسبب المجاهدة كملكة العدالة والجود والإيثار ، فيحصل الضعف فيها ، بل ربما تزول بسبب تسويلات النّفس الأمارة بالسوء. وحيث ان لملكة النبوة درجة التحقق ووصولها من مرتبة القوة والاستعداد إلى مرتبة الفعلية المستلزمة لمقام الوحي ، فانحطاطها معناه العود والانقلاب إلى القوة المستحيل عادة.
وأما الثاني فلأن الموت لا يوجب زوال سائر الملكات الراسخة فضلا عن هذه الملكة الشامخة ، كيف والدنيا مزرعة الآخرة ، والمعرفة بذر المشاهدة ، فكيف يعقل زوالها بالموت؟ وكيف تنقلب النفوس العالية الخاصية بالموت إلى نفوس سافلة عامية ، مع أن الموت لو لم يوجب قوة المشاهدة لم يوجب ضعفها.
وأما الثالث وهو زوالها بمجيء نبي لاحق ولو كان أكمل فلوضوح أن زيادة كمال شخص لا توجب زوال كمال شخص آخر أو نقصه.