فإن قلت : ما أنكرت ألا يكون ما جاء من نحو فعلة على فعل ـ نحو نوب وجوب ودول ـ لما ذكرته من تصوّر الضمّة فى الفاء ، ولا يكون ما جاء من فعلة على فعل ـ نحو ضيع وخيم وعيب ـ لما ذكرته من تصوّر الكسرة فى الفاء ، بل لأن ذلك ضرب من التكسير ركبوه فيما عينه معتلّة كما ركبوه فيما عينه صحيحة ؛ نحو لأمة (١) ولؤم وعرصة وعرص وقرية وقرى وبروة (٢) وبرا ـ فيما ذكره أبو علىّ ـ ونزوة ونزا ـ فيما ذكره أبو العبّاس ـ وحلقة وحلق وفلكة وفلك؟
قيل : كيف تصرّفت الحال فلا اعتراض شكّ فى أن الياء والواو أين وقعتا وكيف تصرّفتا معتدّتان حرفى علّة ، ومن أحكام الاعتلال أن يتبعا ما هو منهما.
هذا هذا ، ثم إنا رأيناهم قد كسّروا فعلة مما هما عيناه على فعل وفعل ؛ نحو جوب ونوب وضيع وخيم ، فجاء تكسيرهما تكسير ما واحده مضموم الفاء ومكسورها.
فنحن الآن بين أمرين : إما أن نرتاح لذلك ونعلّله ، وإما أن نتهالك فيه ونتقبله غفل الحال ، ساذجا من الاعتلال. فأن يقال : إن ذلك لما ذكرناه من اقتضاء الصورة فيهما أن يكونا فى الحكم تابعين لما قبلهما أولى من أن ننقض الباب فيه ، ونعطى اليد عنوة به ، من غير نظر له ، ولا اشتمال من الصنعة عليه ؛ ألا ترى إلى قوله : وليس شيء مما يضطرّون إليه إلا وهم يحاولون له وجها. (فإذا) لم يخل مع الضرورة من وجه من القياس محاول فهم لذلك مع الفسحة فى حال السعة أولى بأن يحاولوه ، وأحجى بأن يناهدوه (٣) فيتعللوا به ولا يهملوه.
فإذا ثبت ذلك فى باب ما عينه ياء أو واو جعلته الأصل فى ذلك ، وجعلت ما عينه صحيحة فرعا له ، ومحمولا عليه ؛ نحو حلق وفلك وعرص ولؤم وقرى وبرا ؛ كما أنهم لمّا أعربوا بالواو والياء والألف فى الزيدون والزيدين والزيدان تجاوزوا ذلك إلى أن أعربوا بما ليس من حروف اللين. وهو النون فى يقومان وتقعدين وتذهبون. فهذا جنس من تدريج اللغة الذى تقدّم بابه فيما مضى من كتابنا هذا.
__________________
(١) هى الدرع.
(٢) هى الحلقة فى أنف البعير.
(٣) يناهدوه : يناهضوه ويقصدوه.