هذا الوجه وان اشتمل على المخالفة للقياس ، فانّ القياس هو قلب الأوّل إلى الثاني للتوسل إلى الادغام ، لا العكس كما هنا ، فهذا مع ذلك كأنه أهون عندهم ممّا يلزم على الوجهين الآخرين (١) فكرهوا إعتبارهما مع امكانه ، وذلك : (كخطيّة) ـ بتشديد الياء ـ في خطيئة بالهمزة بعد الياء الساكنة المزيدة في «فعيلة» (ومقروّة) ـ بتشديد الواو ـ في : مقروءة بالهمزة بعد الواو الساكنة المزيدة في اسم المفعول من قرأ ، (وافيّس) ـ بتشديد الياء ـ في : افيئس بالهمزة بعد الياء الساكنة المزيدة ، لتصغير أفؤس جمع فأس ـ بالفاء والهمزة والمهملة ـ لضرب من السلاح ، ولحديدة اللجام القائمة بالحنك ، ففي جميع هذه ونظائرها تبدل الهمزة إلى الساكن قبلها وتدغم على وجه الجواز من غير لزوم في شيء من نحو ذلك ، لما علم بالاستقراء من مجيء اثبات الهمزة أيضا في كل ما هو من هذا القبيل.
وامّا ما زعمه جماعة من النحاة منهم سيبويه من خلاف ذلك (وقولهم التزم) ذلك الّذي ذكر من الابدال والادغام (في ـ نبيّ ، وبريّة ـ) بالياء المشدّدة فيهما ـ من النبأ ـ بمعنى الخبر ـ ، وبرأ ـ بمعنى خلق ـ وأصلهما : نبيء ، وبريئة ، بالهمزة بعد الياء الساكنة المزيدة في «فعيل» و «فعيلة» ، فهو (غير صحيح ولكنه كثير) ، وكيف يصح دعوى التزام ما ذكر فيهما والحال أنهما باثبات الهمزة ، حيث وقعا في القرآن في قراءة أهل المدينة وفاقا لابن ذكوان من أهل الشام في الثاني.
وقيل : لعل من ادعى الالتزام المذكور يمنع ثبوت تلك القراءة ، فان تواتر القراآت السبع ليس متفقا عليه ، فيشكل الرد عليه بها ؛ مع احتمال ان يكون مراده التزام ذلك على قراءة الأكثرين ، وفي استعمال أكثر أهل التخفيف كما يشعر به كلام بعض من ادعى ذلك.
ثمّ انّ ما ذكر انّما هو على تقدير كونهما مهموزين كما قلنا ، وهو مذهب سيبويه ،
__________________
(١) وهما : بين بين ، والحذف.