هناك في الأيام القادرية ووزر للأمير قرواش أمير بني عقيل ، ووزر لابن مروان صاحب ديار بكر ، وكان مستقلا بصناعتي الكتابة والانشائية والحسابية ، وحين مرض وأشفي ، وصى بحمل تابوته إلى الكوفة ودفنه في المشهد بها ، وفعل به ذلك.
ثم تغير الحاكم لمنصور بن عبدون فنكبه وقتله ، وقلّد مكانه زرعة بن نسطوس الوزير ولقبه بالشافي ، وذلك في سنة أربعمائة (١).
وفي سنة سبع وتسعين وثلاثمائة وردت الأخبار بالوقعة الكائنة بين الفضل صاحب الحاكم ، وبين أبي ركوة الخارج عليه ، وظفر الفضل به وأخذه وحمله إلى القاهرة وشهره بها وقتله فيها ، وقيل إن أبا ركوة لقب غلب عليه بركوة كانت معه في أسفاره على مذهب الصوفية ، واسمه الوليد أموي من أولاد هشام بن عبد الملك بن مروان ولنوبته في ذلك شرح يطول ، إلا أن أبا ركوة هذا لما انهزم في الوقعة قصد صاحب النوبة ، وتردد من الحاكم إليه بسببه مراسلات إلى أن أنفذه إليه مع أصحابه ، وأنفذ معه صاحبا له بهدايا إلى الحاكم ، وتسلم أبا ركوة أخو الفضل ، وحمله إلى أخيه الفضل ، فسار [به] وكان الفضل يقبل يد أبي ركوة ويعظمه تأنيسا لئلا يقتل نفسه قبل إيصاله وإنزاله في مضاربه ، وأخدمه نفسه وأصحابه ، وكتب [إلى] الحاكم بخبر حصوله ووصوله ، وكان الفضل يدخل عليه في غداة كل يوم إلى خركاة قد ضربت له خيمة ، ويصحبه ويقبل يده ، ويقول له : كيف يا مولاي؟ فيقول : بخير يا فضل أحسن الله جزاءك ، ويحضره شرابا فيشرب بين يديه ، ثم يناوله إياه ويفعل مثل ذلك في طعامه إلى أن وصل الى الجيزة ، فلما حصل بها راسله الحاكم بأن يعبر هو والعسكر الذي معه ، وينزل على رأس الجسر ، ويصل إلى القاهرة ، ففعل ذاك
__________________
(١) هو ابن الوزير عيسى بن نسطورس ، وهو من القلائل الذين أفلتوا من غضب الحاكم ، فلم يقتله. انظر الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي : ٢٤٨.