وكان لا يمشي خطوات إلا وقد تلقته الخدم بالتشريف والحملان ، وهو ينزل عن فرسه ويقبل الأرض ، ويعود إلى ركوبه ، ولم يزل على هذه الحال إلى أن وصل إلى القصر ، ودخل الى القصر على الحاكم ، فخدمه ودعا له ، وشرح حاله إلى أن ظفر بالعدو ، وخرج بعد ذلك الى داره ، وتقدم وجوه القواد وشيوخ الدولة بالمصير الى أبي ركوة ومشاهدته ، ويقال (٤٣ ظ) أن الحاكم قد مضى من غد ذلك اليوم ، وقد رسم أن يشهر ويطاف به في مصر (١) واتفق دخول القائد ختكين الداعي ، وكان قديما صاحب دواة الملك عضد الدولة ، فسلم عليه ، وقال له : ألك حاجة إلى أمير المؤمنين؟ فقال له : من أنت؟ قال : فلان ، قال : عرفت حالك وسدادك وأريد أن توصل لي رقعة إلى أمير المؤمنين ، فقال : اكتبها وهاتها ، فاستدعى أبو ركوة دواة من أصحاب الفضل ، ودرجا ، وكتب فيه : يا أمير المؤمنين إن الذنوب عظيمة والدماء حرام ما لم يحلها سخطك ، وقد أحسنت وأسأت وما ظلمت إلا نفسي ، وسوء عملي أوبقني ، وأنا أقول :
فررت ولم يغن الفرار ومن يكن |
|
مع الله لا يعجزه في الأرض هارب |
ووالله ما كان الفرار لحاجة |
|
سوى جزع الموت الذي أنا شارب |
وقد قادني جرمي اليك برمتي |
|
كما أخر ميتا في رحا الموت سارب |
واجمع كلّ الناس أنك قاتلي |
|
ويا ربّ ظنّ ربّه فيه كاذب |
وما هو إلّا الانتقام تريده |
|
فاخذك منه واجبا لك واجب |
__________________
(١) كانت ثورة أبي ركوة ـ الذي أدعى أنه من ولد هشام بن عبد الملك بن عبد الرحمن الداخل ـ أعظم الثورات ضد الفاطميين في مصر ، تفجرت بين قبائل بني قره في الأراضي الليبية الحالية المصاقبة للحدود المصرية ، وقد انضم للثورة قبائل زناته البربرية ، وأخفقت أكثر من حملة وجهها الحاكم للقضاء عليها ، ويبدو أن بعض المساعدات وصلت إلى أبي ركوة من ملك النوبة ، لهذا فرّ إليه عندما أخفقت ثورته ، وقام هذا الأخير بتسليم أبي ركوة كيما يغطي على تواطئه معه. انظر تاريخ دولة الكنور الاسلامية للدكتور عطية القوصي ـ ط. القاهرة ١٩٧٦ : ٤٩ ـ ٥٦.