وقيل في أخبار الحاكم بأمر الله أنه أمر في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة بهدم بيعة القمامة في بيت المقدس وهي بيعة عند النصارى جليلة في نفوسهم يعظمونها ، والسبب في ذلك ما اتصل به من هدم الكنائس والبيع بمصر والشام وألزم أهل الذمة الغيار (١) ما قيل أن العادة جارية بخروج النصارى بمصر في كل سنة في العماريات (٢) إلى بيت المقدس لحضور فصحهم في بيعة قمامة ، فخرجوا في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة على رسمهم في ذلك ، متظاهرين بالتجمل الكبير على مثل حال الحاج في خروجهم ، فسأل الحاكم ختكين العضدي الداعي ، وهو بين يديه ، عن أمر النصارى في قصدهم هذه البيعة وما يعتقدونه فيها ، واستوصفه صفتها وما يدعونه لها ، وكان ختكين يعرف أمرها بكثرة تردده الى الشام وتكرره في الرسائل عن الحاكم إلى (٤٤ ظ) ولاتها ، فقال : هذه بيعة تقرب من المسجد الأقصى تعظمها النصارى أفضل تعظيم ، وتحج إليها عند فصحهم من كل البلاد ، وربما صار إليها ملوك الروم وكبراء البطارقة متنكرين ، ويحملون إليها الأموال الجمّة والثياب والستور والفروش ، ويصوغون لها القناديل والصلبان والأواني من الذهب والفضة ، وقد اجتمع فيها من ذاك على قديم الزمان وحديثه الشيء العظيم قدره ، المختلفة أصنافه فإذا حضروا يوم الفصح فيها ، وأظهروا مطرانهم ، ونصبوا صلبانهم ، وأقاموا صلواتهم ونواميسهم ، فهذا الذي يدخل في عقولهم ، ويوقع الشبهة في قلوبهم ، ويعلقون القناديل في بيت المذبح ، ويحتالون في إيصال النار إليها بدهن البلسان وآلته ، ومن طبيعته حدوث النار فيه مع دهن الزنبق ، وله ضياء ساطع وإزهار لامع ، يحتالون بحيلة يعملونها بين كل قنديل وما يليه حديدا ممدودا كهيئة
__________________
(١) أي ألزمهم بتغيير ملابسهم وارتداء ما يميزهم عن المسلمين من حيث الزي والألوان وحمل بعض العلامات الخاصة.
(٢) في الأصل «الغيارات» وهو تصحيف قومته من مرآة الزمان حوادث سنة / ٣٩٨ ه /.