الخيط متصلا من واحد إلى الآخر ، ويطلونه بدهن البلسان طليا يخفونه عن الأبصار حتى يسري الخيط إلى جميع القناديل ، فإذا صلوا وحان وقت النزول ، فتح باب المذبح ، وعندهم أن مهد عيسى عليهالسلام فيه ، وانه عرج به إلى السماء منه ، ودخلوا وأشعلوا الشموع الكثيرة ، واجتمع في البيت من أنفاس الخلق الكثير ما يحمي منه الموضع ويتوصل بعض القوام إلى أن يقرب النار من الخيط فيعلق به ، وينتقل بين القناديل من واحد إلى واحد ، ويشعل الكل ، ويقدره من يشاهد ذلك أن النار قد نزلت من السماء ، فاشتعلت تلك القناديل.
فلما سمع الحاكم هذا الشرح استدعى بشر بن سور كاتب الانشاء ، وأمره بأن يكتب كتابا إلى والي الرملة وإلى أحمد بن يعقوب الداعي بقصد بيت المقدس ، واستصحاب الأشراف والقضاة والشهود ووجوه البلد ، وينزلا على بيت المقدس وقصد بيعة قمامة وفتحها ونهبها ، وأخذ كل ما فيها ونقضها وتعفيه أثرها ، فإذا نجز الأمر في ذلك يعملا به محضرا وفيه الخطوط ، وينفذانه إلى حضرته. ووصل الكتاب اليهما فتوجها للعمل بما مثل إليهما.
وقد كانت النصارى بمصر عرفوا ما تقدم في هذا الباب ، فبادروا إلى بطرك البيعة ، وأعلموه الحال وأنذروه ، وحذروه ، فاستظهر باخراج ما كان فيها من الفضة والذهب والجواهر والثياب ، ووصل بعد ذلك أصحاب الحاكم (٤٥ و) فأحاطوا بها وأمروا بنهبها ، وأخذوا من الباقي الموجود ما عظم قدره ، وهدمت أبنيتها وقلعت حجرا حجرا ، وكتب بذلك المحضر ، وكتبت الخطوط فيه كما رسم وأنفذ إلى الحاكم (١).
__________________
(١) أثارت مسألة النور هذه خيال الكتاب في الماضي ، وقد كتب سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان في حوادث سنة / ٣٩٨ / : سكنت في البيت المقدس عشر سنين ، وكنت أدخل إلى قمامه في يوم فصحهم وغيره ، وبحثت عن اشعال القناديل في يوم الأحد عيد النور ، وفي وسط قمامه قبة فيها قبر يعتقد النصارى أن المسيح