وإن أحق من عول عليه في الوزارة ، وأسند إليه أمر السفارة ، ونصب لحفظ الأموال وتمييزها ، وسياسة الأعمال وتدبيرها وإيالة طوائف الرجال كبيرها وصغيرها ، من كان حفيظا لما يستحفظ من الأمور قؤوما بمصالح الجمهور عليما بمجاري السياسة والتدبير ، ولذاك قال يوسف الصديق عليهالسلام : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (١) ولو استغنى أحد من رعاة العباد عن وزير وظهير ، يكاتفه على أمره ، ويظاهره ، لكان كليم الله موسى صلى الله عليه ، وهو القوي الأمين ، عنه مستغنيا ، ولم يكن له من الله جل جلاله طالبا مستدعيا ، وقد «(قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي. وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي.) (٥١ و) (هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي. كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً. وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً)» (٢).
ولما كنت بالأمانة والكفاية علما. وعند أهل المعرفة والدراية مقدما ، وكان الكتاب على اختلاف طبقاتهم ، وتفاوت درجاتهم يسلمون إليك في الكتابة ويقتدون بك في الإصابة ، ويشهدون لك بالتقدم في الغناء ، ويهتدون بحلمك اهتداء السّفر بالنجم في الليلة الظلماء ، ولا يتناكرون الانحطاط عن درجتك في الفضل لتفاوتها في الارتفاع ، ولا يردّ ذلك راد من الناس أجمعين إلا خصمه وقوع الاجماع هذا ، مع المعروف من استقلالك بالسياسة ، واستكمالك لأدوات الرئاسة وتدبيرك أمور المملكة ، وما ألف برشد وساطتك من سمو اليمن والبركة ، رأى أمير المؤمنين ، بالله توفيقه ، أن يستكفيك أمر وزارته ، وينزلك أعلى منازل الاصطفاء بخاص إثرته ، ويرفعك على جميع الأكفاء بتام تكرمته ، وينوه باسمك تنويها لم يكن لأحد قبلك من الظّهراء في دولته ،
__________________
(١) القرآن الكريم ـ يوسف : ٥٥.
(٢) القرآن الكريم ـ طه : ٢٥ ـ ٣٤.