ولم تزل الأخبار متواترة من ناحية العراق بظهور (٥٤ ظ) المظفر أبي الحارث أرسلان الفساسيري (١) ، وقوة شوكته ، وكثرة عدته وغلبة أمره على الإمام القائم بأمر الله أمير المؤمنين ، وقهر نوابه وامتهان خاصته وأصحابه ، وخوفهم من شره حتى أفضى أمره إلى أن يأخذ الجاني من حرم الخلافة ، ويفعل ما يشاء ، ولا يمانع له ، ولا يدافع عنه.
وقد شرح الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي (٢) ، رحمهالله في أخبار أهل بغداد ، ما قال فيه : ولم يزل أمر القائم بأمر الله أمير المؤمنين مستقيما إلى أن قبض عليه أرسلان الفساسيري في سنة خمسين وأربعمائة ، وهو واحد من الغلمان الأتراك عظم أمره (٣) ، واستفحل شأنه ، لعدم نظرائه من الغلمان الأتراك والمقدمين والأسفهسلارية ، إلا أنه استولى على العباد والأعمال ، ومد يده في جباية الأموال ، وشاع بالهيبة أمره ، وانتشر بالقهر ذكره وتهيبته العرب والعجم ودعي له على كثير من منابر الأعمال
__________________
(١) أرسلان التركي ، «منسوب إلى بسا بلدة بفارس والعرب تسميها فسا ، وينسبون إليها فسوي ، وأهل فارس يقولون : بسا بين الباء والفاء ، وينسبون إليها البساسيري» ، بحثت في ثورته في كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٩٥ ـ ١٢٤ ونشرت في ملاحق هذا الكتاب : ٢٥٥ ـ ٢٦٤ ترجمة موسعة له انتزعتها من كتاب بغية الطلب لابن العديم.
(٢) صاحب تاريخ بغداد ، لم يترجم للبساسيري في كتابه ، خرج من بغداد إثر حركة البساسيري خشية على نفسه ، ذلك أنه كان من أصدقاء الوزير ابن المسلمة عدو البساسيري الأول ، والكتاب الذي أشار إليه ابن القلانسي هو غير كتاب تاريخ بغداد ، انظر موارد الخطيب البغدادي ، لأكرم ضياء العمري ط. دمشق ١٩٧٥ : ٤٣ ، ولحسن الحظ أن ابن العديم حفظ لنا بخط يده رواية الخطيب البغدادي عن ثورة البساسيري ، وعليها قمت بضبط نص ابن القلانسي. انظر كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٥٧ ـ ٢٦٢.
(٣) في رواية ابن العديم : وكان السبب في ذلك أن أرسلان التركي المعروف بالبساسيري ، كان قد عظم أمره.