فأقام بها وعمّر ما عمره من الحمام وغيره فيها ، ثم خرج منها في أوائل سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة خوفا من العسكر المصري أن يدركه فيها ، فيأخذه منها ، وحصل بثغر صور عند ابن أبي عقيل القاضي المستولي عليها ، ثم صار من صور إلى طرابلس ، وأقام بها عند زوج أخته جلال الملك ابن عمار (١) مدة ، وأطلع إلى مصر فهلك في الاعتقال قتلا بالنعال في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وذلك جزاء الظالمين ، (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (٢).
وفي هذه السنة وقع الخلف بدمشق بين العسكرية ، وبين أهلها ، وطرحت النار في جانب منها فاحترقت ، واتصلت النار منه بالمسجد الجامع من غربيّه فاحترق في ليلة يوم الاثنين انتصاف شعبان من السنة ، فقلق الناس لهذا الحادث والملمّ المؤلم الكارث ، وأسف القاصي والداني لاحتراق مثل هذا الجامع الجامع للمحاسن والغرائب ، المعدود من إحدى العجائب حسنا وبهاء ورونقا وسناء ، وكيف أصابت مثله العيون الصوائب وعدت عليه عادية النوائب (٣).
__________________
(١) صاحب طرابلس [٤٦٤ ـ ٤٩٢ ه / ١٠٧٢ ـ ١٠٩٩ م] وهو الذي سلم معلى بن حيدرة إلى الفاطميين. انظر كتاب طرابلس الشام في التاريخ الاسلامي للدكتور سيد عبد العزيز سالم. ط. الاسكندرية : ١٩٦٧ ص : ٦٨ ـ ٧٠.
(٢) القرآن الكريم ـ البقرة : ١٤٤.
(٣) الذي قدمه غرس النعمة محمد بن هلال الصابىء عن حوادث دمشق أكثر تفصيلا ، ولأهميته قام أمدروز المحقق الأول لكتاب ابن القلانسي بتثبيت رواية غرس النعمة هذه في الحاشية ، لكن كما ألم بنص ابن القلانسي التصحيف ، كذلك حدث بالنسبة لنص ابن الصابىء ، ولقد أبقيت نص ابن الصابىء بعد ضبطه واعتمدت في عملي على نسختين مخطوطتين من مرآة الزمان ، واحدة في باريس والثانية في استانبول ـ انظر حوادث سنة ٤٦٢ ه حيث جاء :
وأما أخبار الشام ، فإن بدر الجمالي كان قد ورد دمشق واليا على الشام سنة ثمان وخمسين ، ووصل عسقلان ، وغزا بني سنبس (*) ، ونكا فيهم ، وعاد إلى
__________________
(*) من فروع قبائل طىء. انظر جمهرة أنساب العرب لابن حزم. ط. القاهرة : ١٩٦ ، ص : ٤٠٢.