أعمالها واشتداد الحال في ذلك ، واضطرارهم إلى أكل الميتة ، وأكل الناس
__________________
مقدمي دمشق ، وعلم أهل دمشق ، فثاروا على ابن أبي شوية وأخرجوه ، ولعنوا أمير الجيوش ووافقهم العسكر ، وبعثوا إلى مسمار بن سنان ، وحازم بن نبهان ابن القرمطي (*) أميرا بني كلب ، وبذلوا اليهما تسليم البلد فبعث إليهم مسمار يقول : لا يمكنني الدخول الى البلد وتملكه والعسكر جميعه فيه والمغاربة والمشارقة ويجب أن تخالفوا بينهم وتخرجوا المشارقة ، ففعلوا وصاروا أحزابا ، وكان القتال في غربي الجامع ورمى المشارقة وأهل البلد بالنشاب من دار قريبة من الجامع ، فضربت الدار بالنار فاحترقت ، وثارت النار منها إلى الجامع فاحرقته ليلة نصف شعبان هذه السنة ، ولما رأى العوام ذلك تركوا القتال وقصدوا الجامع طمعا في تلافيه ليتداركوا ما حدث فيه ، ففات الأمر فرموا سلاحهم ، ولطموا واستغاثوا إلى الله تعالى وتضرعوا ، وقالوا : كم نحلف ونكذب ونعد ونحنث ، ونعاهد وننكث ، والنار تعمل إلى الصباح ، فأصبح الجامع ، ولم يبق منه إلّا حيطانه الأربعة ، وصاروا أيام الجماعات يصلون فيه على التلال ، وهم يبكون ، وانهزموا بعد ذلك ، ونهبت دورهم وأموالهم ، وأنفذ مسمار واليا على دمشق من قبله يعرف بفيتان ، وراسل مسمار أهل البلد ثانيا بأن يهبوا ويثبوا على المغاربة فيخرجوهم ، واتفق هو وأهل البلد ، فثاروا عليهم ، وتأخر مسمار عنهم ، واقتتلوا فظهر عليهم المغاربة وأحرقوا قطعة من البلد ، ونهبوا أكثره ، ونادوا بشعار بدر الجمالي ، ووصل مسمار بعد ذلك إلى باب البلد ، وقد فات الأمر الذي ورد له ، فراسله المغاربة على أن يمكنهم من المقام في البلد ويعطونه مائة ألف دينار ، فرضي وأقام أياما في المكان ، وطالبهم بالمال ، فلم يعطوه شيئا ، ولم يكن له قدرة عليهم ، فسار إلى السواد وكان ما نهب المغاربة من دمشق يساوي خمسمائة ألف دينار ، وتتبّعوا أحداث دمشق ، فقتلوا منهم سبعين حدثا.
ومضى سنان الدولة ولد ابن منزو إلى أمير الجيوش وصالحه وصاهره على أخته ، وعاد إلى دمشق واليا عليها من قبل أمير الجيوش وأطاعته المغاربة ، وسلموها اليه فدخلها ....
وفيها استولى القاضي مختص الدولة ابن أبي الجن أخو حيدرة المقتول على دمشق وطرد نواب أمير الجيوش ، واستولى على صور ابن أبي عقيل ، وعلى طرابلس قاضيها ابن عمار ، وعلى الرملة والساحل ابن حمدان ، ولم يبق لأمير الجيوش غير عكا وصيدا.
__________________
(*) كان بنو القرمطي من أسر الزعامة الكلبية ، وليس هناك علاقة واضحة بين هذه التسمية وجماعات القرامطة.