..........................
__________________
أبي كدينة ، فكتب إلى أمير الجيوش كتابا من املاء الوزير أبي الفرج محمد بن جعفر بن المغربي ، وهو يومئذ يتولى الانشاء ، يستدعيه للقدوم عليه ، وانجاده ، من جملته : فإن كنت مأكولا ، فكن خير آكل ، وإلّا فأدركني ولما أمزق.
فلما بلغه الكتاب قال : لبيك ، وكررها ثلاثا ، وكتب إلى المستنصر يشترط عليه أنه لا يقدم إلّا بعسكر معه ، وأنه لا يبقي على أحد من عساكر مصر ، فأنعم له بذلك ، فسار من عكا بمائة مركب مشحونة بالأرمن وغيرهم من العسكر ، فنهاه الناس عن ركوب البحر من أجل أن الوقت شتاء في كانون الأول ، فأبى ونزل على دمياط بعد يومين من اقلاعه ، فزعم البحرية أنهم لم يعرفوا صحوة تمادت أربعين يوما في الكوانين إلّا هذه ، فكان هذا الأمر بدء سعادته ، واستدعى تجار تنيس واقترض منهم مالا ، وأقام له سليمان اللواتي بالعليق وغيره من الضيافة ، وسار إلى ظاهر قيلوب ، وبعث إلى المستنصر يقول له : لا أدخل إلى القاهرة ما لم تقبض على يلدكوز ، فأمسكه ، وعبر أمير الجيوش عشية يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ست وستين وأربعمائة ، ودخل على المستنصر ، فاستدعاه وقربه ، ودعا له وشكر سعيه ، وبالغ في كرامته ، وقرر أن يكون السفير بينه وبين أمير الجيوش الوزير ابن المغربي كاتب الانشاء ، فصار ابن المغربي إليه ، وعرفه ما فيه الغرض ، وصار من خواصه ، ولم يكن عند أهل الدولة علم من أن المستنصر استدعاه ، وظنوا أنه قدم زائرا ، فلم يتأخر أحد منهم عن ضيافته ، والقيام بما يتعين من كرامته ، وقدموا إليه أشياء كثيرة ، وحين كملت خدمة الجميع ، استدعى الأمراء إلى دعوة صنعها لهم ، وقرر مع خواصه أنه إذا بات الأمراء ، وجهم الليل ، فإنه لا بد لكل واحد منهم أن يصير إلى الخلاء لقضاء حاجته ، فمن صار منهم إلى الخلاء يقتل فيه ، ووكل بكل أمير واحدا من أصحابه ، وجعل له سائر ما هو بيد ذلك الأمير من اقطاع وجار ودار ومال وجواري وغير ذلك ، فلما حضر الأمراء عنده ، وقام لهم بما يليق بهم ظلوا نهارهم عنده ، وهم في أرغد عيش ، وباتوا مطمئنين إليه ، فلم يطلع الفجر حتى استولى أصحاب أمير الجيوش على بيوت الأمراء ، وصارت رؤوس الأمراء بين يديه ، فقويت شوكته ، وانبسطت يده ، وخلت الديار له من كل منازع ، فاستدعاه حينئذ المستنصر ، وقرره في الوزارة ورد إليه الأمور كلها ، وعاهده على ذلك ، وكتب له سجل نعت فيه «بالسيد الأجل أمير الجيوش ، كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين ، وصار القاضي والداعي نائبين عنه يقلدهما هو».