في العسكر إلى الرحبة (١) ، وقد كان كاتب قسيم الدولة صاحب حلب ، ومؤيد الدولة يغي سغان (٢) صاحب أنطاكية يستدعي منهما المساعدة ، ويبعثهما على المؤازرة والمرافدة ، فسارا نحوه ، واجتمعا معه ، فقوي أمره بهما ، واستظهر بعسكرهما ، ونزل على الرحبة وضايقها الى أن ملكها بالأمان ، وأحسن الى أهلها وأجمل السيرة فيها ، وكان قد نذر على نفسه أنه متى ملكها بالأمان والقهر شهر فيها السيف ، فعند ذاك شهر سيفه عند دخوله إليها ، وأغمده عند استقرار أمرها ، ووفى بنذره ، ورحل عنها بعد أن قرر أمرها ، ورتب المستحفظين من قبله فيها قاصدا ناحية (٦٧ و) نصيبين.
وقد كان بعد وفاة السلطان ملك شاه قد رجع إبراهيم بن قريش إلى بلاده ، وتسلم الموصل وأعمالها ، وجمع العرب والأكراد ونزل في بلاد بني عقيل الموصل وما والاها ، وغلب ولد أخيه شرف الدولة محمدا ، وأبعده عن الولاية ، ولما وصل تاج الدولة الى نصيبين وصل إليه الأمير بوزان صاحب الرها ، وخرج إليه والي نصيبين يبذل الطاعة له والمناصحة في الخدمة ، فامتنع أهل البلد من الجند الذين بها من أصحاب إبراهيم بن قريش ، فقاتلها وهدم بعض سورها ، وملكها بالسيف ، وقتل فيها تقدير ألفي رجل ، وقتل كل من التجأ إلى جامعها ومساجدها ، وأخذت الحرم ، وهتكت البنات وعوقبوا بأنواع العقوبات ، إلى أن أظهرن كل مذخور ، وأبرزن كل مستور ، وفعل في أمرهم ما لا يستحله مسلم ، ولا يستحسنه كافر ، وأطلق بعد ذلك من كان في الأسر من الرجال والنسوان إلا من بقي في أيدي الأتراك ، وذلك في صفر سنة ست وثمانين وأربعمائة ، وحكى بعض من حضر هذه الكائنة القبيحة أنه
__________________
(١) كذا وفي هذه الرواية اختصار مخل ، انظر تفصيل خبر ما حدث في كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٢١ ـ ٢٢٦ ، وكتابي تاريخ العرب والاسلام. ط. بيروت : ١٩٨٢ ص : ٣٣٢ ـ ٣٣٥.
(٢) يرسم أحيانا «ياغي سيان».