منها في هذا الزمان ، وقتل بعض النسوان العرب أنفسهن اشفاقا من الهتيكة والسبي ، ولما عادوا بالأسرى والسبي ، وحصلوا بشاطىء الفرات ألقى جماعة من الأسرى أنفسهم في الفرات فهلكوا (١).
وقصد السلطان تاج الدولة ديار بكر ، ونزل على آمد وضايقها وملكها من ملكة ابن جهير المقيم بها مع الجزيرة ، وولّا [٥] نصيبين عوضا عن الجزيرة وملك آمد من ابن مروان وتسلم ميافارقين وأعمالها وقرر أمرها (٢) وانفذ ولاته إلى الموصل وسنجار ، وملك الأعمال ، وانهزم بنو عقيل من منازلهم وبلادهم ، وتوجهوا نحو السلطان بركيارق بن ملك شاه ، وكان علي ابن شرف الدولة مسلم بن قريش ووالدته خاتون بنت السلطان محمد بن داود (٣) عمة السلطان ملك شاه يشكون ما نزل بهما من السلطان تاج الدولة.
ولما تهيأ لتاج الدولة ما تهيأ ، وما أمله من ملكة البلاد وطاعة العباد ، قويت شوكته وكثرت عدته وعدته ، وحدث نفسه بالسلطنة ، وتوجه إلى ناحية خراسان ، وليس يمر ببلد ولا معقل من المعاقل إلا خرج إليه أهله ، وبذلوا له الطاعة والمناصحة في الخدمة ، وأمره يستفحل وشأنه يعظم.
وفصل عنه قسيم الدولة صاحب حلب ، وعماد الدولة بزان صاحب الرها مغاضبين ، وقصدا ناحية السلطان بركيارق بن ملك شاه مخالفين له وعاصيين عليه ، واقتضت الحال عود تاج الدولة إلى ديار بكر ، ونزل على مدينة سروج (٤) فملكها وولّى فيها ، وفي الجزيرة من ارتضاه من ثقات
__________________
(١) تعرف هذه المعركة باسم معركة المضيع أيضا. مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.
(٢) ابن مروان هو ناصر الدولة منصور بن مروان ، وابن جهير هو الكافي ابن جهير ، انظر تاريخ ميافارقين. ط. القاهرة ١٩٥٩ : ٢٣٣ ـ ٢٣٧.
(٣) محمد بن داود هو السلطان ألب أرسلان بن جغري بك.
(٤) بلد من أرض الجزيرة ، وبمقربة من ملطية ، وهي رستاق كثير القرى والكروم في بطن بين جبال. الروض المعطار.