وفي شعبان منها أرسل القاضي ابن صليحة المتغلب على ثغر جبلة إلى الأمير ظهير الدين أتابك ، يلتمس منه انفاذ من يراه من ثقاته ليسلم إليه ثغر جبلة ، ويصل إلى دمشق بماله وحاله ، ويسيره إلى بغداد تحت الحوطة والأمان والحماية ، وجميل الرعاية ، فأجابه الى ما اقترحه ، ووعده بتحقيق أمله ، وندب لولاية الثغر المذكور ولده الأمير تاج الملوك بوري ، وكان الملك شمس الملوك دقاق غائبا عن دمشق في ديار بكر ، فعاد منها ، ودخل إلى دمشق في أول شوال من السنة ، وتقررت الحال على ما التمس ابن صليحة ، وتوجه تاج الملوك في أصحابه إلى جبلة ، فتسلمها ، وانفصل ابن صليحة عنها ، ووصل دمشق بأصحابه وأسبابه وكراعه ودوابه وكل ما تحويه يده من مال وأثاث وحال ، فأكرم مثواه ، وأحسن لقياه ، وأقام ما أقام بدمشق ، وسيّر إلى بغداد مع فرقة وافرة من الأجناد ، بجميع ما يملكه ، وحصل بها ، واتفق له من وشى بماله ، وعظم سعة حاله إلى السلطان ، فنهب واشتمل على ما كان يملك.
وأما تاج الملوك فإنه لما ملك ثغر جبلة ، وتمكن هو وأصحابه فيها أساؤوا إلى أهله ، وقبحوا السيرة فيهم ، وجروا على غير العادة المرضية من العدل والإنصاف ، فشكوا حالهم فيما نزل بهم إلى القاضي فخر الملك أبي علي عمار بن محمد بن عمار المتغلب على ثغر طرابلس لقربها منهم ، فوعدهم المعونة على مرادهم وإسعادهم بالانفاذ لهم ، وأنهض اليهم عدة وافرة من عسكره ، فدخلت الثغر ، واجتمعت مع أهله على الأتراك ، فقهروهم وأخرجوهم منه ، وملكوه وقبضوا تاج الملوك ، وحملوه الى طرابلس ، فأكرمه فخر الملك وأحسن إليه ، وسيره إلى دمشق ، وكتب الى والده أتابك يعرفه صورة الحال ، ويعتذر إليه مما جرى.
وفيها قبض الملك شمس الملوك دقاق على أمين الدولة أبي محمد بن الصوفي ، رئيس دمشق وصالحه على جملة من المال يحملها الى خزانته ، وأطلقه من الاعتقال ، وأقره على رئاسته.