ووافق أن المعز لدين الله اعتل العلة التي قضى فيها نحبه وصار إلى رحمة ربه في سنة خمس وستين وثلاثمائة وكان مولده بالمهدية (١) ، وعمره خمس وأربعون سنة ، ومولده سنة تسع عشرة (١٢ ظ) وثلاثمائة ، ومدة أيامه في الخلافة ثلاث وعشرون سنة وستة أشهر وأمه أم ولد ، ونقش خاتمه «بنصر العزيز العليم ينتصر الإمام أبو تميم» ، وكان عالما فاضلا شجاعا جاريا على منهاج أبيه في حسن السيرة وانصاف الرعية (٢) ، ثم عدل عن ذلك وتظاهر بعلم الباطن ، ورد من كان باقيا من الدعاة في أيام أبيه وأذن لهم في الاعلان بمذهبهم ، ولم يزل عن ذلك غير مفرط فيه إلى أن خرج من الغرب (٣) ، وقام في منصبه من بعده ولده نزار أبو منصور العزيز بالله ، مولوده بالمهدية يوم الخميس الرابع عشر من المحرم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
ولما عرف حال الحاجب ألفتكين جهز إليه عسكرا كثيرا مع القائد جوهر المعزي ، ويجري الأمر بينهما على ما هو مشروح في موضعه ، واتفق خروج ابن الشمشقيق (٤) متملك الروم في هذه السنة إلى الثغور ، فاستولى على
__________________
(١) معروفة بالجمهورية التونسية بناها المهدي سنة ٣٠٠ ه / ٩١٣ م على شاطيء البحر الأبيض المتوسط ، وأرضها بالأصل أشبه «بجزيرة متصلة بالبر كهيئة كف متصل بزند». انظر كتابي العصر العباسي منذ القرن الرابع وحتى سقوط بغداد ، ط. دمشق ١٩٨٢ ، ص : ٢٣١ : ٢٣١ ـ ٢٣٨.
(٢) تردد بعض المصادر أن المنصور اسماعيل أوقف النشاط الدعوي وتظاهر بالتقرب إلى أهل السنة وذلك أثناء تصديه لثورة أبي يزيد مخلد بن كيداد الخارجي.
(٣) يريد بهذا قدوم المعز من تونس إلى مصر بعدما تعرضت للخطر القرمطي.
(٤) هو الامبراطورJOhn I Tzimisces ولفظة شمشقيق لفظة أرمنية معناها القصير (٩٦٩ ـ ٩٧٦) ، وكان ابن الزيات مقدم أهل طرسوس التي كانت أعظم مدن الثغور ، وقد أفرد ابن العديم في المجلدة الأولى من كتابه بغية الطلب فصلا خاصا حول مدينة طرسوس ، أهم ما فيه مواد نقلها عن أبي عثمان الطرسوسي (ت في مطلع القرن الخامس) صاحب كتاب سير الثغور ، وطرسوس الآن قائمة داخل الحدود التركية وغالبية سكانها عرب يتقنون العربية ، في محراب مسجدها دفن الخليفة المأمون العباسي.