من نزل من الأكلة ، وعندهم الكفاف لمن بقي من العملة ، ففطنا لما عمدوا وعليه اعتمدوا ، وأمرنا في الحال بالقلعة المسلمة فنسفت نسفا ، وخسفت بها خسفا ، وصير سفلها علوا ، كما كان علوها خلوا ، ثم انتقمنا من المستخدمين الغادرين بالملك والدين ، حتى ساقهم الحين المتاح إلى حين.
فلم يفلت منهم صاحب ولا مصحوب |
|
إن الشقاء على الأشقين مصبوب |
ووافق ذلك حلول الموعد لنزول باقي القوم من دالان ، فأبوا إلا المطل والليان ، فلما مضت أيام على ذلك ، أظهروا التمرد والعصيان ، فصاروا كما قال الله تعالى «(وَمِنَ) (٨٤ و) (يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)» (١) فعند ذلك استخرنا بالله تعالى تجريد العزائم لهذا الجهاد ، الذي هو عندنا من أنفس العزائم ، ولا نخاف فيها لومة لائم ، وأهبنا بمن حضرنا من العساكر المنصورة إلى الاحداق بالقلعة المذكورة يوم الثلاثاء ، ثاني ذي الحجة ، فنزلوا لفنائها محشدين ولصدق اللقاء متشمرين متجردين ، وجرت مناوشة عشية هذا اليوم أثخنت عدة من أولئك القوم ، وبات المسلمون ليلتهم تلك على أضم ، والملحدون لحما على وضم ، فلما تنفس الصبح وغردت الديوك الصدح ، وطوى الليل رداءه ، ورفع الفجر لواءه ، نصر الله الحق وأدال الدين ، (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) (٢) ، وعدت جيوش النصر يدا واحدة ، وكلمة على التظافر والتظاهر مساعدة ، تسطو بالفئة المتحصنة بالقلعة ، سطوة الليث الهصور ، وكأنهم طاروا بأجنحة الصقور ، على صم الصخور ، فلم يلبثوا قبل ذرور الشمس بقرنها ، وأخذها الناصع من لونها ، أن أخذوا القلعة عنوة وقهرا ، وأجروا من دماء الباطنية الملحدة نهرا ، فلم يئل منهم وائل ،
__________________
(١) القرآن الكريم ـ المائدة : ٤١.
(٢) القرآن الكريم ـ الصافات : ١٧٧.