الأحاظي ، وان يتقدم في حق المبشر ما هو على الدولة ثبتها الله متعين ، حتى يعود ولما يستحسن من موقع هذه البشارة عليه أثر بيّن ، والوزير أولى من اغتنم هذه المكرمة فاعتنقها ، وتمكن من عصمة الرأي السديد فاعتقلها ، واستحمد الينا بما يتكلفه من جميل مساعيه ، ويتكلفه له بالاهتزاز والاهتمام فيه من سائر ما يلاحظه من الأمور ويراعيه ، إن شاء الله تعالى.
وكتب بالأمر العالي شفاها في ذي القعدة سنة خمسمائة.
وفي هذه السنة تتابعت المكاتبات إلى السلطان غياث الدنيا والدين محمد ابن ملك شاه ، من ظهير الدين أتابك ، وفخر الملك بن عمار ، صاحب طرابلس بعظيم ما ارتكبه الأفرنج من الفساد في البلاد ، وتملك المعاقل والحصون بالشام والساحل ، والفتك في المسلمين ، ومضايقة ثغر طرابلس ، والاستغاثة إليه ، والاستصراخ والحض على تدارك الناس بالمعونة ، فندب السلطان لما عرف هذه الحال الأمير جاولي سقاوه ، وأميرا من مقدمي عسكره كبيرا في عسكر كثيف من الأتراك ، وكتب إلى بغداد ، وإلى الأمير سيف الدولة صدقة بن مزيد ، وإلى جكرمش صاحب الموصل بتقويته بالمال والرجال على الجهاد ، والمبالغة في إسعاده وإنجاده ، وأقطعه الرحبة وما على الفرات ، فثقل أمره على المكاتبين ، فدافعه ابن مزيد ، وسار نحو الموصل يلتمس من جكرمش ما وقّع به عليه ، فتوقف عنه فنزل (٨٥ و) على قلعة السن (١) ونهبها ، واجتمع إليه خلق كثير ، وخرج جكرمش إلى لقائه فظفر به جاولي سقاوه واستباح عسكره ، وانهزم ولده إلى الموصل ، فضبطها ، وتوجه وراءه ، وقتل جكرمش أباه ، وأنفذ رأسه إلى الموصل ، فلما عرف ولده ذاك كاتب قلج أرسلان بن قتلمش يستنجده من ملطية ، ويبذل له تسليم البلاد والأعمال
__________________
(١) السن بليدة على دجلة في أعلى تكريت ، عندها يصب الزاب الأصغر إلى دجلة. تقويم البلدان : ٢٨٨ ـ ٢٨٩.