وقد كان قلج أرسلان أنفذ بعض مقدمي أصحابه إلى بلاد الروم ، في خلق كثير من التركمان ، لإنجاد ملك القسطنطينية على بيمند ومن معه من الأفرنج الواصلين إلى الشام ، فانضافوا إلى ملك الروم وما حشده من عساكر الروم ، فلما اجتمع للفريقين ما اجتمع رتبوا (٨٦ و) المصاف ، والتقوا فاستظهر الروم على الأفرنج ، وكسروهم كسرة شنيعة أتت على أكثرهم بالقتل والأسر ، وتفرق السالم الباقي منهم عائدين إلى بلادهم ، وفصل أصحاب قلج أرسلان الأتراك إلى أماكنهم ، بعد أن أكرمهم ، وخلع عليهم ، وأحسن إليهم.
ولما عاد جاولي سقاوه ، عن الرحبة ، ونزل على الموصل ، راسل أهلها والجند بها ، فلم يمكنهم المدافعة له عنها ، ولا المراماة دونها ، فسلموها إليه بعد أخذ الأمان منه على من حوته ، وكان ولد قلج قد دخلها ، فقبض عليه وسيره إلى السلطان محمد ، ولم يزل مقيما عنده إلى أن هرب من المعسكر في أوائل سنة ثلاث وخمسمائة ، وعاد الى مملكة أبيه ببلاد الروم ، ويقال أنه لما وصل إليها عمل على ابن عمه ، وقتله واستقام له أمر المملكة بعده.
وفي هذه السنة وصل إلى دمشق الأمير الأصفهبذ التركماني من ناحية عمله ، فأكرمه ظهير الدين ، وأحسن تلقيه ، وأقطعه وادي موسى ومآب والشراة والجبال والبلقاء ، وتوجه إليها في عسكره ، وكان الأفرنج قد نهضوا إلى هذه الأعمال ، وقتلوا فيها وسبوا ونهبوا ما قدروا عليه منها ، فلما وصل إليها وجد أهلها على غاية من الخوف ، وسوء الحال عما جرى عليهم من الأفرنج فأقام بها.
ونهض الأفرنج إليه لما عرفوا خبره من ناحية البرية ، ونزلوا بإزاء المكان الذي هو نازل به ، وأهملوه إلى أن وجدوا الفرصة فيه فكبسوه على غرة ، فانهزم في أكثر عسكره ، وهلك باقيه ، واستولوا على سواده ، ووصل إلى عين الكتيبة من ناحية حوران ، والعسكر الدمشقي نازل عليها ، فتلقاه ظهير الدين متوجعا له بما جرى عليه ، ومسليا عما ذهب منه وعوضه ، وأطلق له ما صلحت به حاله.