وانعقد الأمر بينهما على السداد ، واستقامت الأحوال على المراد ، وأمنت السابلة للمترددين والتجار والسفار الواردين من جميع (١٠٣) الأقطار ، وتوفي رحمهالله في عاشر شوال سنة سبع وخمسمائة وقد كان صاحب أنطاكية لما فصل عن الملك بغدوين بعسكره عائدا الى أنطاكية فسخ عنه ولد الملك تكش بن السلطان ألب أرسلان ، وقصد صور ، وأنفذ الى ظهير الدين أتابك في الوصول الى دمشق ، فأجابه بالاعتذار الجميل والاحتجاج المقبول ، ودفعه أحسن دفع ، فلما أيسه توجه الى مصر ، ولقي من الأفضل ما أحب من الإكرام والمزيد من الإحترام والإنعام وإطلاق ما يعود إليه بصالح الحال ، وتحقيق الآمال.
وفي جمادى الآخرة وردت الأخبار من ناحية حلب بمرض عرض للملك فخر الملوك رضوان صاحبها ، وأنه أقام به ، واشتد عليه ، وتوفي رحمهالله في الثامن والعشرين من الشهر ، فاضطرب أمر حلب لوفاته ، وتأسف أصحابه لفقده ، وقيل أنه خلف في خزانته من العين والعروض والآلات والأواني تقدير ستمائة ألف دينار ، وتقرر الأمر بعده لولده ألب أرسلان وعمره ست عشرة سنة ، وفي كلامه حبسة وتمتمة ، وأمه بنت الأمير يغي سغان صاحب أنطاكية ، وقبض على جماعة من خواص أبيه ، فقتل بعضا ، وأخذ مال بعض ، ودبّر الأمر معه خادم أبيه لؤلؤ ، فأساء كل واحد منهما التدبير ، وقبض على أخويه ملك شاه من أمه وأبيه ، ومبارك من أبيه وجارية ، وقتلهما (١).
وقد كان أبوه الملك رضوان في مبدأ أمره فعل مثل فعله بقتل أخويه من تاج الدولة : أبي طالب وبهرام شاه ، وكانا على غاية من حسن الصورة ، فلما توفي كان ما فعل بولديه مكافأة عما اعتمده في أخويه.
__________________
(١) في بغية الطلب لابن العديم ترجمة لكل من رضوان بن تتش وابنه ألب أرسلان الأخرس ، وسبق لي نشرهما في ملاحق كتابي مدخل الى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٩٤ ـ ٢٩٧ ، ٣٨٧ ـ ٣٩٦.