وكان أمر الباطنية قد قوي بحلب ، واشتدت شوكتهم بها ، وخاف ابن بديع رئيس الأحداث بحلب وأعيان البلد منهم ، لكثرتهم وشد بعضهم من بعض ، وحماية من يلجأ إليهم منهم لكثرتهم ، وكان الحكيم المنجم وأبو طاهر الصائغ أول من أظهر هذا المذهب الخبيث بالشام ، في أيام الملك رضوان ، واستمالا إليه بالخدع والمحاولات ، ومال إليهم خلق كثير من الإسماعيلية بسرمين (١) والجزر وجبل السّمّاق وبني عليم ، فشرع ابن بديع رئيس حلب في الحديث مع الملك ألب أرسلان بن رضوان في أمرهم ، وقرر الأمر معه على الايقاع بهم ، والنكاية فيهم ، فقبض على أبي طاهر (١٠٤ و) الصائغ ، وعلى كل من دخل في هذا المذهب ، وهم زهاء مائتي نفس ، وقتل في الحال أبو طاهر الصائغ ، واسماعيل الداعي ، وأخو الحكيم المنجم والأعيان المشار اليهم منهم ، وحبس الباقون واستصفيت أموالهم ، وشفع في بعضهم ، فمنهم من أطلق ، ومنهم من رمي من أعلى القلعة ، ومنهم من قتل ، وهرب جماعة أفلتوا إلى الأفرنج ، وتفرقوا في البلاد.
ودعت الملك ألب أرسلان الحاجة إلى من يدبر أمره ، ويثقف أوده ، فوقع اختياره على ظهير الدين أتابك ، صاحب دمشق ، فراسله في ذلك ، وألقى مقاليده إليه واعتمد في صلاح أحواله عليه ، وسأله الوصول إلى حلب ، والنظر في مصالحها ، وأوجبت الصورة أن خرج الملك نفسه في خواصه ، وقصد أتابك في دمشق ليجتمع معه ، ويؤكد الأمر بينه وبينه ، فوصل إليه في النصف من شهر رمضان من السنة ، فلقيه أتابك بما يجب لمثله من تعظيم مقدمه ، وإجلال محله ، وأدخله إلى قلعة دمشق ، وأجلسه في دست عمه شمس الملوك
__________________
(١) تتبع سرمين الآن محافظة ادلب ، وتبعد عن ادلب مسافة / ٨ كم / والجزر كورة من كور حلب معظمها الآن يتبع محافظة ادلب ، وجبل السماق وبني عليم هو جبل الأربعين في منطقة أريحا ، وقد فصل الحديث عن هذه المناطق ابن العديم في المجلدة الأولى من بغية الطلب وقد حققته ، وهو قيد الطباعة ببيروت الآن.