ولما شاع ذكر ظهير الدين أتابك في الأعمال العراقية ، والدركاه السلطانية بما أعطاه الله من شدة البأس في محاربة الأفرنج الأرجاس ، ومنحه من النصر عليهم ، والنكاية فيهم ، والذب عن أهل الشام ومراماته دونهم ، ومحاماته عنهم وإحسان السيرة فيهم ، بحيث دعي له في محافل الرعايا والتجار ، وشكر بين الرفق من سفار الأقطار ، فحسده قوم من مقدمي الدركاه السلطانية الغياثية ، وراموا القدح فيه والطعن عليه ، طلبا لإفساد حاله ، واعتمادا لعكس آماله ، وحطّا لرتبته بالحضرة السلطانية ، وتشعيث الآراء الجميلة الغياثية ، وظهر الأمر بذاك وانتشر ، وشاع من كل صوب واشتهر ، وكتب اليه بذلك من يؤثر صلاحه من الأصدقاء ، ويشفق عليه ، فأحدث ذاك له استيحاشا دعاه إلى التأهب والاستعداد لتوجه ركابه إلى الباب الإمامي المستظهري ، والباب السلطاني الغياثي بمدينة السلام بغداد للمثول بهما ، والخدمة لهما ، والتقرب بالسعي إليهما ، وإنهاء حاله إليهما ، وإزالة ما وقع في النفوس ظنة بالقدوم عليهما ، وأشير عليه بترك ذلك وإهماله ، وحذر منه وبعث على إغفاله ، فلم يصخ الى هذا المقال ، ولا أعاد على أحد جواب سؤال ، بل تأهب للمسير ، وبالغ في الجد فيه (١٠٦ و) والتشمير ، وأعد ما يصحبه من أنواع التحف المستحسنة من أواني البلور والمصاغ ، وأجناس الثياب المصرية ، والخيول السّبّق العربية ، مما يصلح أن يتقرب بمثله إلى تلك المناصب العلية ، وسار في خواصه ، وأهل ثقته من غلمانه ، في يوم الأحد لست بقين من ذي القعدة من السنة.
فلما قرب من بغداد ، وأنهي خبر وصوله تلقاه من خواص الدار العزيزة النبوية المستظهرية ، والدركاه السلطانية الغياثية ، ووجوه الدولة وأعيان الرعية ، من بالغ في إكرامه وتناهى في احترامه ، وقوبل من ذاك ما زاد في مسرة أوليائه ، والفت في أعضاد حساده وأعدائه ، وأوضح حاله فيما قصد لأجله ، فما سمع إلا ما عاد ببسط عذره ، وإحماد فعله ، وإطراء أمره ، وتطييب نفسه ، وإبعاد