والدعاء إلى وطء البساط ليصطنعه ويصطفيه ، والتماس ما يريده ليبلغه له ، ويرجع إلى بلاده فأقام على أمره ، وترددت المراسلات إليه ومنه ، والوسيط جوهر إلى أن تقرر الأمر على ثلاثين ألف دينار له ولأصحابه ، تحمل إليه في كل سنة ، ويكونوا على الطاعة والموادعة ، وحمل إليه مال سنة وأضيف اليه ثياب كثيرة وخيل بمراكب ، وتوجه إليه جوهر وقاضي الرملة ، فاستحلفاه للعزيز على الوفاء والمصالحة ، وأخذا له المواثيق المشدودة المؤكدة ، وأعطياه المال والخلع والحملان وانصرف إلى الأحساء (١) ، وعاد العزيز إلى مصر وألفتكين حاجبه ، ولم يزل المال المقرر للقرمطي يحمل إليه في كل سنة على يد أبي المنجا صاحبه إلى أن مات.
ووصل العزيز الى مصر والقاهرة ، فدخلها ونزل في قصره وأنزل ألفتكين في دار حسنة بعد أن فرشت بالفروش الكثير ، وركب وجوه سائر الدولة إليه حتى لم يتأخر أحد منهم عنه ، ووافاه فيمن وافاه أبو الفرج (١٨ و) يعقوب ابن يوسف بن كلّس الوزير ، بعد أن لاطفه وهاداه ، وزاد أمر ألفتكين بين يدي العزيز ، وتكبر على ابن كلس الوزير ، وامتنع من قصده ، والركوب إليه وأمره العزيز فلم يفعل ، وتدرجت الوحشة بينهما حتى قويت واستحكمت ، وأعمل الحيلة الوزير في الراحة منه ، ودسّ إليه سما فقتله به ، ولما مضى لسبيله حزن العزيز حزنا شديدا عليه ، واتهم ابن كلس واعتقله نيفا وأربعين يوما صح له خمسمائة ألف دينار ، ووفقت الأمور باعتزاله النظر فيها ، فأعاده العزيز وجدّد اصطناعه واستخدامه.
__________________
(١) ذكر المقريزي في اتعاظ الحنفا ١ / ٢٤٩ «أن العزيز لما سار من الرملة بألفتكين إلى مصر جعل بلد فلسطين لمفرج بن دغفل بن الجراح» أمير قبائل طيء ، ولا شك أنه استهدف من وراء ذلك أن تقوم طيء حليفة القرامطة فيما مضى بالدفاع عن فلسطين وبالتالي حماية حدود مصر من القرامطة ، لكن هذه القبائل نشطت ضد الفاطميين لتحقيق مطامح خاصة بها.