الحسن بن عمّار ، وهو أجلّ كتّابه وجوهر ومعهما من الخدم على أيديهم الثياب ، فسلّما عليه وأعلماه رضى العزيز عنه وتجاوزه عن الهفوة الواقعة منه ، وألبسه جوهر دستا من ملابس العزيز كان في جملة الثياب ، وقال له : أمير المؤمنين يقسم عليك بحقه إلا طرحت سوء الاستشعار ، وعدت إلى حال السكون والانبساط ، فجدّد الدعاء وتقبيل الأرض ، وشكر جوهرا على ما ظهر منه في أمره ، وعاد الحسن وجوهر إلى العزيز فأخبراه ما كان منه ، وواصله العزيز بعد ذلك بالمراعاة والملاطفة في الفواكه والمطاعم ، وتقدم من غد إلى البازياريّة وأصحاب الجوارح بالمصير الى باب مضربه ، وراسله بالركوب الى الصيد تأنيسا له ، وقاد إليه عدّة من دواب بمراكبها فركب وهو يشاهد القتلى من أصحابه ، وعاد من متصيّده عشاء فاستقبله الفراشون بالشمع ، والنفاطون بالمشاعل ، ونزل في (١٧ ط) مضاربه ، فلما كان في الليل ركب العزيز إليه ودخل عليه ، فبادر إلى استقباله وتقبيل الأرض وتعفير خديه بالتراب ، فأخذ العزيز بيده وأمره بالجلوس فامتنع ثلاث مرات ، ثم جلس فسأله عن خبره وخاطبه بما سكن نفسه ، وقال له : ما نقمت عليك إلا أنني دعوتك إلى مشاهدتي تقديرا أن تستحيي مني فأبيت ، وقد عفوت الآن عن ذلك ، وعدت إلى أفضل ما تحب أن تطيب نفسك به ، وسأصطنع لك اصطناعا يسير ذكره ، وأفعل معك فعلا أزيد على أملك وأمنيتك فيه ، فبكى ألفتكين بين يديه ، وقال : قد تفضّلت يا أمير المؤمنين عليّ تفضلا ما استحققته ولا قدرته ، وأرجو أن يوفقني الله بخدمتك ومقابلة نعمتك ، وأنس ألفتكين بعد ذلك وخاطب فيمن بقي من أصحابه حتى أوجب لهم الأرزاق الواسعة والتقريرات المتتابعة ، ونزلوا على مقاديرهم ، ورتبهم في مواضعه ، واستحجبه العزيز ، وجعله من أخص خاصته وأقرب صاحب من خدمة حضرته.
وكان العزيز قد أنفذ النّجب بالرسل والكتب تابعة للحسن بن أحمد القرمطي ، فلحقوه بطبرية ، وأعادوا عليه الرسائل بالصفح عمّا جرى منه ،