أهلك ، ففعل حتى إذا وصل إلى قرية تعرف بلبنى (١) أنزله فيها وأحضره ماء وفاكهة ، ووكل به جماعة من أصحابه ، وبادر إلى العزيز فتوثّق منه في المال الذي بذله في ألفتكين ، ثم عرّفه حصوله في يده ، وأخذ جوهرا ومضى فسلمه إليه ، وورد المبشرون إلى العزيز بحصوله ، فتقدم بضرب نوبة من مضاربه وفرشها ، وإعداد ما يحتاج إلى إعداده من الآلات (١٧ و) للاستعمال فيها ، وإحضار كل من حصل في الأسر منسوبا إليه فأحضر ، وأومنوا وكسوا ، ورتبوا في أشغالهم المنسوبة إليهم في خدمته ، ووصل ألفتكين وقد خرج العسكر لاستقباله ، وهو غير شاكّ في أنه مقتول ، فأمر العزيز أن يعدل به إلى النوبة المضروبة ، وكانت قريبا من مضاربة وبين يديه مختار الصقلبي صاحب الصقر في جماعة من الخدم والصقالبة يمنعون الناس منه ، ويحولون بينه وبينهم ، فلما رأى القوّاد والصقالبة والمغاربة باب سرادق العزيز ترجلوا عن دوابهم وقبلوا الأرض ، ففعل ألفتكين مثل ذلك ، ودخل المضارب المعدّة له فشاهد أصحابه وحاشيته على ما كانوا عليه من الحال ، والعمل في خدمته ، وحمل إلى دست قد نصب له ليجلس عليه ، فرمى نفسه الى الأرض ورمى ما على رأسه وعفر خديه على التراب ، وبكى بكاء شديدا (٢) سمع منه نشيجه ، وقال : ما استحققت الإبقاء عليّ فضلا عن العفو الكريم والاحسان الجسيم ، ولكن مولانا أبى إلا ما تقتضيه أعرافه الشريفة وأخلاقه المنيفة ، وامتنع من الجلوس في الدست وقعد بين يديه ، وأتاه بعد ساعة أمين الدولة
__________________
(١) ذكرها ياقوت في معجمه فقال : قرية بفلسطين فيها قبض على ألفتكين المعزي وحمل إلى العزيز.
(٢) أورد يحيى بن سعيد الأنطاكي في تاريخه ص : ١٥٤ ـ ١٥٥ ، والمقريزي في ترجمته لجوهر ، معلومات تتوافق مع معلومات ابن القلانسي وتختلف وهي جميعا متكاملة مفيد العودة إليها. انظر كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية ص : ٣٤٢ ـ ٣٤٣. اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا للمقريزي. ط القاهرة ١٩٦٧ : ١ / ٢٣٦ ـ ٢٤٦.