يلتمسون منه إنفاذ من يراه ، لتسلّم حمص وقلعتها ، ويعوضهم عنها بما يتفق عليه الرأي ، وتوسط الحاجب سيف الدولة يوسف بن فيروز المقيم بتدمر الأمر في ذلك طمعا في الكون بها ، والانتقال من تدمر إليها ، لكونها من الأماكن الحصينة ، والقلاع المنيعة ، واستأذن في الوصول الى دمشق للحديث ، وتقرير الحال في ذلك ، فأذن له ، ووصل الى دمشق ، وجرى في ذلك خطاب طويل ، أفضى آخره الى أن تسلم حمص وقلعتها الى شهاب الدين ، وتسلم الى خمارتاش تدمر عوضا عنها ، ووقع الشرط واليمين على هذه الصفة ، وبرز شهاب الدين من دمشق في العسكر ، وتوجه إليها ، فحين حصل بها نزل خمارتاش من القلعة وأولاد خيرخان وأهله بما يخصهم ، وسلموها إليه فتسلمها يوم الأحد الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وخمسمائة وحصل بها ورتب أمرها [١٣٨ ظ] وقرر ولايتها للحاجب يوسف ابن فيروز ، وأن يكون فيها نائبا عن الأمير معين الدين أنر الأتابكي ، حسب ما تقرر ، وكتب الى الجهات والأطراف بحمل الأقوات إليها ، والتقوية لها بالميرة ، وعاد شهاب الدين عنها بعد تقرير أمرها منكفئا الى دمشق ، وشرع الأمير سوار النائب عن عماد الدين في حلب ، ومن بحماة من قبله في الغارات على أعمال حمص ، ورعي زرعها ، وجرى في ذلك مراسلات ومخاطبات ، أسفرت عن المهادنة والموادعة ، والمسالمة الى أمد معلوم ، وأجل مفهوم ، بحيث انحسمت أسباب الفساد عن الجهتين ، واستقامت أحوال الجانبين.
وفي يوم الأحد الرابع والعشرين من جمادى الأولى من السنة ، خلع شهاب الدين على أمين الدولة كمشتكين الأتابكي ، والي صرخد وبصرى الخلع التامة ، ورد إليه أسفهسلارية العسكرية ، وخوطب بالأتابكية ، وأنزل في الدار الكبيرة الأتابكية بدمشق ، وحضر الناس لهنائه فيها ، وأوعز الى الكافة باتباع رأيه ، والامتثال لأمره.
وفي يوم الأربعاء السابع والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة ، قتل الحاجب يوسف بن فيروز ، في ميدان المصلى بدمشق.