شرح السبب في ذلك
كان الحاجب يوسف بن فيروز المقدم ذكره ، عند كونه في خدمة شمس الملوك اسماعيل بن تاج الملوك ، وتمكنه عنده ، وارتفاع طبقته لديه ، قد اعتمد في حق مقدمي الغلمان الأتابكية ما أوحشهم منه ، وبلغهم ما ضيق صدورهم عنه ، وأسروا ذلك في نفوسهم ، وأخفوه في قلوبهم ، لا سيما ما قصده في نوبة الغلمان الذين قتلهم شمس الملوك مع أخيه سونج بن تاج الملوك ، بسبب اتهامهم بكونهم مع ايلبا الغلام التركي ـ الذي كان وثب على شمس الملوك ، وضربه بالسيف طالبا قتله ، فسلمه الله ونجاه ، حسب ما تقدم به الشرح ـ وكونه أكبر السعاة عليهم ، والسبب في قتلهم ، على عادة قد ألفيت من فعله ، وطريقة قد عرفت من طبعه ، وقد كان حصل بتدمر ، وأهمل أمره ، ونسي ما سبق به شره ، فلما راسل من تدمر (١) يطلب الأذن في الوصول إلى دمشق ، لتقرير أمر حمص ، وأجيب الى الأذن في ذلك ، أنكر الأمير شجاع الدولة بزواج ، والحاجب سنقر ، وأكابر الغلمان الأتابكية الأذن له في ذلك ، وامتعضوا من وصوله كل الامتعاض (١٣٩ و) ، لما عرفوا من سوء فعله ، ومشهور سعيه ، وختله ، وأشاعوا بينهم ما هم عازمون عليه من العمل على قتله ، ونصحه أهل وده ، والاشفاق عليه ، والمتقربين إليه بذاك ، فأبى القبول منهم ، وأخذ النصح منهم ، وقويت نفسه على التغرير بها ، والمخاطرة باتباع هواها ، وتمسك بمدافعة الأمير معين الدين عنه ، والمنع منه ، لصداقة كانت بينهما ، قد استحكمت قواها ، ووصلة انعقدت وأحكمت عراها ، ولما وصل إلى دمشق توثق لنفسه من الجماعة بأيمان سكنت إليها نفسه ، وتوكد معها أنسه ، وقرر معه أنه يكون يحضر للسلام في كل يوم ، ويعود الى داره ، ويقنع بالكون في ملكة دمشق ، والتنقل منها إلى حمص ، ولا يداخل نفسه في أمر غير ذلك.
__________________
(١) في الأصل : من تدمر من يطلب ، ومن الثانية زيادة فحذفت.