فما هو إلا أن حصل بها ، وجعل يدبر أمرا غير خاف ، ويقرر تقريرا غير مكتوم ولا مستتر ، فأثار بذلك ما كان في نفوس الغلمان كامنا ، وحرك ما كان في القلوب ساكنا ، ووجد الأمير بزواج (١) والغلمان السبيل إلى نقض ما عوهدوا عليه ، باعتماده المخالفة لما قرره معه ، وسكنوا إليه ولاحت الفرصة لهم فيه ، ولما كان في اليوم المقدم ذكره ، وقد تقرر الأمر بينهم على الفتك به ، صادفه شجاع بزواج ، المقدم ذكره في الميدان المجاور للمصلى بظاهر دمشق فماشاه ساعة بالحديث وقد خلا من أصحابه وأغفله وجرد سيفه وضربه به ، ضربة عظيمة في وجهه الى رأسه ، وثنى بأخرى فسقط الى الأرض ، وأجهز عليه آخر من الغلمان ، ولم يتجاسر أحد من أصحابه من الدنو منه ، ولا الدفع عنه لقوة شوكة الغلمان ، واتفاق كلمتهم على قتله.
وانهزم شهاب الدين وأصحابه من الميدان الى داره ، وبقي ساعة مطروحا على الأرض في الميدان ، يشاهد مصرعه ، ويعتبر اللبيب بمنظره ، ثم حمل الى المسجد الذي بناه فيروز أبوه بالعقيبة ، فدفن عند قبره في يومه في تربته ، وأنفذ بزواج وسنقر وجماعة الغلمان الى شهاب الدين ووالدته الخاتون مراسلات ومعاتبات ، على ما اعتمداه من الأذن له في العود إلى دمشق ، بعد ما كان من فعله في حق من قتل بسعيه من الغلمان ، واشترطوا أمورا وقع الاباء لها والاستيحاش منها ، ومن طلب مثلها ، وامتنع الغلمان ، وأكثر الأتراك من الدخول إلى البلد و [رفضوا](٢) العود إلى دورهم إلا بعد تقرير أمر بزواج (١٣٩ ظ) وجماعة الغلمان ، والدخول فيما راموه ، وتطييب نفوسهم بالإجابة إلى ما حاولوه.
واندفعوا الى ناحية المرج ، فنزلوا فيه وخيموا في ناحية من نواحيه ، وترددت بينهم مراسلات لم تسفر عن سداد ، ولا نيل مراد ، فأظهروا الخلاف ،
__________________
(١) يرد رسم هذا الاسم في مرآة الزمان ـ بزواش.
(٢) زيد ما بين الحاصرتين كيما يستقيم السياق.