وكاشفوا بالعصيان والانحراف ، وعمدوا الى خيل الجشار (١) فاستاقوها ، واشتملوا على جميعها ، وهي العدد الكثير لسائر الأمراء والعسكرية والرعية من أنواع الدواب ، ولها قيمة عظيمة ، وتوجهوا بها في يوم الجمعة السابع والعشرين من جمادى الأولى من السنة من تل (٢) راهط إلى ناحية المرج ، وخرج إليهم من بقي في البلد من العسكر مع الأمراء ، والمقدمين ، وهم منهم أكثر عددا وأتم عددا ، طلبا للايقاع بهم ، وتخليص الجشار من أيديهم ، فما أغنوا فتيلا ولا أعادوا مما أخذوا كثيرا ولا قليلا ، ورحلوا به الى صوب بعلبك ، فخرج إليهم الأمير شمس الدولة محمد بن تاج الملوك صاحبها ، ووقعت الموافقة والمعاهدة بينهم ، على إقامته والدخول في طاعته ، والمناصحة في خدمته ، واجتمع إليه خلق كثير من التركمان ، فأخافوا السبيل ، وشرعوا في العيث والفساد ، واقتضت الحال مراسلتهم بالملاطفة ، ودعاهم إلى الطاعة ، وترك المخالفة ، وتطييب نفوسهم ، وبعثهم على العود إلى ما كانوا عليه ، والإجابة الى ما اقترحوا وأشاروا إليه واستقرت الحال على مرادهم ، وأخذت الأيمان المؤكدة عليهم ولهم بالوفاء ، واستعمال الاخلاص والصفاء ، وأذن لهم في العود ، فعادوا الى البلد ، وخيم بزواج وجماعته بجسر الخشب ، وامتنع من الدخول إلى داره لما رآه وجال في نفسه ، واتفق الرأي على خروج شهاب الدين في العسكر الى ناحية حوران على الرسم في ذلك ، والاجتماع هناك ، وتقرير ما يجب تقريره من الأحوال ، والبعث على تحصيل الغلال ، واتفق الرأي في أوائل شعبان على تقديم بزواج على سائر الأجناد والغلمان ، ورد إليه الاسفهسلارية ، وخوطب بالأتابكية ، ولقب بجمال الدين مضافا الى ألقابه ، فاستقام له الأمر ، ونفذ في النفع والضر.
__________________
(١) الجشر قوم يخرجون بدوابهم الى المرعى ويبيتون مكانهم ، ولا يأوون الى البيت. النهاية لابن الأثير.
(٢) منطقة قرية عربين في أحواز دمشق.