وفي العشر الأول من رجب من السنة ، خرج أمين الدولة كمشتكين الأتابكي والي صرخد من دمشق ، مظهرا قصد الصيد (١٤٠ ظ) والإشراف على ضياعه لأجل الجراد الظاهر بها ، في خواصه وثقله ، وفي النفس ضد ذاك ، فلما توارى عن البلد ، أغذ السير قاصدا سمت صرخد ، ومفارقا لما كان فيه ، خوفا على نفسه من الغلمان ، بحيث حصل بها ، وسكنت نفسه من الخوف فيها ، ثم روسل بالاستعطاف والتلطف في العود الى داره ومنزلته ، والانكفاء الى رتبته ، فأبى واحتج بأسباب ذكرها ، وأحوال شرحها ، ونشرها ، فوقع السلو عنه ، واليأس منه.
وفي يوم السبت الثالث عشر من شعبان سنة ثلاثين وخمسمائة وردت الأخبار من ناحية الشمال ، بنهوض الأمير مسعود سوار من حلب ، فيمن انضم إليه من التركمان الى الأعمال الأفرنجية فاستولوا على أكثرها ، وامتلأت أيديهم بما حازوه من غنائمها ، وتناصرت الأخبار بهذا الظفر من جميع الجهات ، والاستكثار لذلك ، والتعظيم له ، ولقد ورد كتاب من شيزر يتضمن البشرى بهذه النوبة ، ويشرحها على جليتها ، فأثبت مضمونه في هذا الموضع ، تأكيدا للخبر ، وتصديقا لما وصف وذكر ، وهو :
إن المتجدد عندنا بهذه الناحية ، ما يجب علينا من حيث الدين أن نذيعه ، ونبشر به كافة المسلمين ، فإن التركمان ـ كثرهم الله ، ونصرهم ـ اجتمعوا في ثلاثة آلاف فارس جريدة معدة ، ونهضوا إلى بلاد اللاذقية وأعمالها بغتة بعد اليأس منهم ، وقلة الاحتراز من غارتهم ، وعادوا من هذه الغزاة الى شيزر يوم الأربعاء حادي عشر رجب ، ومعهم زيادة عن سبعة آلاف أسير ، ما بين رجل وامرأة وصبي وصبية ، ومائة ألف رأس دواب ، ما بين بقر وغنم وحمر ، والذي حازوه واجتاحوه يزيد عن مائة قرية كبار وصغار ، وهم متواصلون ، بحيث قد امتلأت الشام من الأسارى والدواب ، وهذه نكبة ما مني الأفرنج الشماليون بمثلها ، وبعد هذا ما يبع منهم أسير إلا بثمنه ، ولا نقص السعر الأول ، وهم سائرون بهم إلى حلب ، وديار بكر والجزيرة.