وفي آخر نهار يوم الأربعاء الرابع وعشرين من أيار ، طلع على دمشق سحاب أسود أظلمت الدنيا له ، وصار الجو كالليل ، ثم طلع بعد ذلك سحاب أحمر أضاءت الدنيا منه ، وصار الناظر إليه يظن أنه نار موقدة ، وكان (١٠٤ ظ) قد هب قبل ذلك ريح عاصف شديدة آذت كثيرا من الشجر ، وقيل إنه في هذا الوقت والساعة جاء في حوران برد كبار ومطر شديد بحيث جرت منهما الأودية ، وجاء في الليلة مطر عظيم ، زاد منه بردى زيادة لم ير مثلها عظما.
وفي المحرم من هذه السنة ، في الثالث عشر منه أرسل الله تعالى من الغيث ما طبق الأعمال الدمشقية ، بحيث سالت به الأودية والشعاب ، وزاد المد في الأنهار بحيث اختلطت ، وانكسر نهر يزيد ، ونهر بانياس والقنوات ، والتقت المياه ، وبطلت الأرحية ، ودخل الماء إلى بعض بيوت العقيبة ، وذكر جماعة من الشيوخ المعمرين أنهم لم يشاهدوا في مثل هذا الوقت مثل ذلك.
وفي شعبان من هذه السنة ، وردت الأخبار من ناحية العراق ، بأن السلطان مسعود بن محمد (١) بن ملك شاه حصر بغداد ، وضايق الإمام الخليفة الراشد بالله بن الإمام المسترشد بالله أمير المؤمنين ، ومعه السلطان داود ابن أخيه ، والأمير عماد الدين أتابك زنكي بن آق سنقر ، واقتضى التدبير حين لم ينل منها غرض ، ولم يظفر بمراد ، ولا بد من اللقاء والمحاربة ، العود عنها ، فعاد السلطان داود إلى بلاده ، وعماد الدين أتابك الى الموصل ، وأقام السلطان مسعود على رسمه في بغداد ، وحين رأى الامام الراشد بالله إقامة السلطان على الاستيحاش منه ، زادت وحشته ، وعلم أنه لا طاقة له بالمقام معه ، وخاف على نفسه ، فتبع عماد الدين الى الموصل ، ونزل بظاهرها وخيم به ، كالمستجير والعائذ به ، وحين خلت بغداد من الخليفة وتدبيره ، تمكن
__________________
(١) في الأصل : ابن السلطان محمود بن محمد ، ومحمود زيادة حذفت ، وقد سبق وقوع مثل هذا.