وساروا طالبين نصرة المخذولين المحصورين في حصن بعرين ، وتخلصهم مما هم فيه من الشدة والخوف والهلاك ، فحين قربوا من عسكر أتابك ، وصح الخبر عنده بذاك ، اقتضت الحال أن أمّنهم وعاهدهم على ما اقترحه عليهم من طاعته ، وقرر عليهم خمسين ألف دينار يحملونها إليه ، وأطلقهم وتسلم الحصن منهم ، وعاد من كان اجتمع لنصرتهم (١).
وفي شهر رمضان منها ورد الخبر بأن الإمام (١٤٢ ظ) الخليفة الراشد بالله أمير المؤمنين ابن المسترشد بالله ، كان قد فصل عن الموصل قاصدا الى مراغة ، وأنه اجتمع بالسلطان داود بن محمود ، وجرى بينهما أحاديث وتقريرات قررها كل واحد منهما مع الآخر (٢).
__________________
(١) انظر الكامل لابن الأثير : ٨ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨. وليم الصوري : ٨٥ ـ ٩١.
(٢) كما فعل أمدروز حين مر بمقتل الخليفة المسترشد فنقل عن الفارقي ، فعل الآن ، فنقل نصا طويلا له أهمية خاصة ، وقد أبقيت على ما نقله وضبطته على المصورة الموجودة لدي ، قال الفارقي : وكان الراشد على طريقة أبيه ، وكان بايعه الناس في آخر سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، وكان شهما شريف النفس ، ذا رأي وهمة ، فلهذا انحرف السلطان من توليته الخلافة ... قيل : وكان الراشد بعد قتل أبيه قد بايعه الناس ، واستبد واستقر ، ونفذ الى أتابك زنكي الى الموصل ، واستدعاه وضمن له أن تكون السلطنة في الملك ألب أرسلان ابن محمود الذي عند أتابك ، وتكون الأتابكية والخلافة بحكمه ، فنزل أتابك الى بغداد ، ونزل بالجانب الشرقي ، في إحدى دور السلطنة ، وبقي الى أن وصله أن السلطان قد طلب بغداد ، فخيم في الجانب الغربي ، فلما قرب السلطان من بغداد ، ونزل قريبا من النهروان ، حقق الراشد الحال ، وأنهم لا بد من تولية غيره فجمع الأمراء بأسرهم الذين كانوا في الدار من بني الخلفاء في سرداب ، وتقدم بأن يطبق السرداب.
ولقد حدثني زين الدولة أبو القاسم علي بن الصاحب ، وكان هو حاجب الباب هو وأبوه وجده ، وكان بين يدي الراشد ، قال : لما جمع الراشد الأمراء في السرداب ، وقال : يا علي خذ هذا السيف ـ وكان بيده سيفا ـ وقال : احذر أن يسبق سيفي سيفك ، فإني أريد أخرج كل من في السرداب ، وأقتل الجميع ، حتى لا يبقى من يصلح للخلافة ، فإن هؤلاء ربما