تمكنت من أخشابها وأبادتها ، فوقع السور في الحال ، وهجم المسلمون البلد بعد أن قتل من الجهتين الخلق الكثير على الهدم ، وقتل من الأفرنج والأرمن وجرح ما أوجب هزيمتهم عنه ، وملك البلد بالسيف في يوم السبت سادس وعشرين من جمادى الآخرة منها ، ضحوة النهار (١) ، وشرع في النهب والقتل والأسر والسبي والسلب ، وامتلأت الأيدي من المال والأثاث والدواب والغنائم والسبي ، ما سرت به النفوس ، وابتهجت بكثرته القلوب ، وشرع عماد الدين أتابك بعد أن أمر برفع السيف والنهب في عمارة ما انهدم ، وترميم ما تشعث ، ورتب من رآه لتدبير أمرها (٢) وحفظها ، والاجتهاد في مصالحها ، وطيب بنفوس أهلها ، ووعدهم بإجمال السيرة فيهم ، وبسط المعدلة في أقاصيهم وأدانيهم ، ورحل عنها وقصد سروج ، وقد هرب الأفرنج منها ، فملكها وجعل لا يمر بعمل من أعمالها ، ولا معقل من معاقلها ، فينزل عليه إلا سلم إليه في الحال (١٥٢ و).
وتوجه الى حصن البيرة من تلك الأعمال ، وهو غاية في الامتناع على طالبه ، والصعوبة على قاصده ، فنزل عليه وشرع في محاربته ومضايقته ، وقطع عنه سائر من يصل إليه بالقوت والميرة والمعونة والنصرة ، ولم يزل محاصرا له ومحاربا ومضيّقا الى أن ضعف أمره ، وعدمت الميرة فيه ، وورد على عماد الدين وقد أشرف على ملكته من خبر نائبه في الموصل الأمير جقر بن يعقوب ،
__________________
(١) في ترجمة زنكي في بغية الطلب لابن العديم مواد جيدة عن سقوط الرها ، وأنا بصدد نشر هذه الترجمة في كتاب عن الحملتين الصليبيتين الأولى والثانية ، إنما على أهمية المواد في المصادر العربية يبقى ما ذكره المؤرخ السرياني المجهول أكثر تفصيلا وأعظم أهمية ، لأنه كان من أهل الرها وشاهد عيان لما حصل وأنا بصدد نشر هذه المواد في الكتاب المشار إليه آنفا.
(٢) عين زين الدين علي كوجك صاحب اربيل وشهرزور حاكما على الرها ، هذا ما ذكره المؤرخ السرياني المجهول.