كل ما يوتغ (١) الدين ، ويكره بين خيار المسلمين ، غير مكاثر للناس ، ولا معاشر لهم ، ولا متخلط بهم.
وفي هذه السنة وردت الأخبار من ناحية الشمال بأن الأمير عماد الدين أتابك افتتح مدينة الرها بالسيف ، مع ما هي عليه من القوة والحصانة والامتناع على قاصديها ، والحماية على طالبيها من العساكر الجمة ومنازليها ، وإن السبب في ذلك أن الأمير عماد الدين أتابك ، لم يزل لها طالبا ، وفي تملكها راغبا ، ولانتهاز الفرصة فيها مترقبا ، لا يبرح ذكرها جائلا في خلده وسره ، وأمرها ماثلا في خاطره وقلبه ، إلى أن عرف أن جوسلين صاحبها ، قد خرج منها في جل رجاله وأعيان حماته وأبطاله لأمر اقتضاه ، وسبب من الأسباب الى البعد عنها دعاه ، للأمر المقضي والقدر النازل ، فحين تحقق (١٥١ ظ) ذاك بادر بقصدها ، وسارع الى النزول في العسكر الدثر عليها لمضايقتها ، والحصر لمن فيها ، وكاتب طوائف التركمان بالاستدعاء لهم للمعونة عليها ، والإسعاد وأداء فريضة الجهاد ، فوصل إليه منهم الخلق الكثير ، والجم الغفير بحيث أحاطوا بها من جميع الجهات ، وحالوا بينها وبين ما يصل إليها من المير والأقوات ، والطائر لا يكاد يقرب منها خوفا على نفسه من صوائب سهام منازليها ، ويقظة المضيّقين عليها ، ونصب على أسوارها المناجيق ، ترمي عليها دائما ، والمحاربة لأهلها مصرا ومواظبا ، وشرع الخراسانيون والحلبيون العارفون بمواضع النقوب ، الماضون فيها ، فنقبوا في عدة مواضع عرفوا أمرها ، وتيقنوا نفعها وضرها ، ولم يزالوا على هذه الحال في الإيغال في النقب ، والتمادي في بطن الأرض إلى أن وصلوا الى تحت أساس أبراج السور ، فعلقوه بالأخشاب المحكمة ، والآلات المنتخبة ، وفرغوا من ذلك ، ولم يبق غير إطلاق النار فيها ، فاستأذنوا عماد الدين أتابك في ذلك ، فأذن لهم بعد أن دخل في النقب ، وشاهد حاله ، واستعظم كونه وهاله ، فلما أطلقت النار في تعليق النقوب
__________________
(١) وتغ : أهلك. النهاية لابن الأثير.