ليثبت فيه ما يعرف صحته من الأخبار ، وتعلم حقيقته من الحوادث والآثار ، وأهملت فيما ذكرته من أحوال سلاطين الزمان فيما تقدم ، وفي هذا الأوان إستيفاء ذكر نعوتهم المقررة وألقابهم المحررة ، تجنبا لتكريرها بأسرها ، والإطالة بذكرها ، ولم تجر بذلك عادة قديمة ، ولا سنة سالفة في تاريخ يصنف ، ولا كتاب يؤلف ، وإنما كان الرسم جاريا في القديم بإطراح الألقاب والإنكار لها ، بين يدي ذوي العلوم والآداب ، فلما ظهرت الدولة البويهية الديلمية ، ولقب أول مسعود نبغ فيها بعماد الدولة بن بويه ثم أخوه وتاليه في الولادة والسعادة بركن الدولة أبي علي ، ثم أخوهما بمعز الدولة أبي الحسين وكل منهم قد بلغ من علو المرتبة والمملكة ، ونفاذ الأمر في العراق وخراسان والشام إلى أوائل المغرب ما هو مشهور وذكره في الآفاق منشور ، ولما علا قدر الملك عضد الدولة فنّاخسره بن ركن الدولة أبي علي بن بويه بعدهم ، وظهر سلطانه ، وعلا شأنه ، وملك العراق بأسره وما والاه من البلاد والمعاقل ، وخطب له على المنابر ، زيد في نعوته في أيام المطيع لله أمير المؤمنين رحمهالله : تاج الملة ، ولم يزد أحد من أخوته : مؤيد الدولة ، صاحب أصفهان ، وفخر الدولة ، صاحب الري وما والاهما ، وانضاف إليهما على اللقب الواحد.
ولم يزل الأمر على ذلك مستمرا إلى أن ظهر أمر السلطان ركن الدنيا والدين طغرلبك محمد بن ميكال بن سلجق ، وقويت شوكة الترك ، وانخفضت الدولة البويهية واضمحلت وانقرضت ، ولقب السلطان طغرلبك لما ظهر أمره في العراق ، واجتاح شأفة أبي الحارث أرسلان الفساسيري في أيام (١٥٤ و) الإمام الخليفة القائم بأمر الله أمير المؤمنين رحمهالله ب : «السلطان المعظم ، شاهنشاه الأعظم ، ركن [الدنيا و] الدين ، غياث المسلمين ، بهاء دين الله ، وسلطان بلاد الله ، ومغيث عباد الله ، يمين خليفة الله طغرلبك».
ثم زاد الأمر في ذلك إلى أن أضيف الى ألقاب ولاة الأطراف : الدين ، والاسلام ، والأنام ، والملة ، والأمة ، وغير ذلك ، بحيث اشترك في هذا الفن