العسكر منشا بن الغرّار اليهودي ، فتلطف أمر قسام فلم يتمكن من ذلك ، وكان بدمشق مع قسّام القائد جيش بن الصمصامة شبه وال ، وقد كان ولي البلد بعد مهلك خاله القائد أبي محمود في سنة سبعين ، ولما نزل القائد بلتكين مقدّم العسكر المصري على المزة وجده رجلا أحمق ، فلم يحفل به ودخل على منشا الكاتب ، فقال : إني قضيت حق هذا القائد ولم يجيء إليّ ولم يقض حقي ، وأنا الوالي ، فهزأ به منشا وقال له : نعم أنت الوالي ، وظن إنما نزول العسكر على دمشق ليصلح البلد ، وقالوا : تخرج أنت ومن معك إلى ظاهر البلد ، فخرج هو ومن معه ، فعسكر نحو مسجد ابراهيم عليهالسلام ، وكان عسكر بشارة نازلا في ذلك المكان ، وكانت المراسلة بينهم وبين قسّام أن يسلم البلد ويكون هو آمنا على نفسه ومن معه ، فعلم قسّام أنهم إن بقوا في البلد أهلكوه ومن معه ، فقال لا أسلم البلد ، وضبط أصحابه.
فلما كان يوم الثلاثاء التاسع عشر من المحرم سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وقع بين قوم من أصحاب قسّام وقوم من أصحاب القائد بشارة الخادم عند باب الحديد فظهر عليهم أصحاب بشارة ، وأقبل في غد أصحاب جيش بن الصمصامة ، فخرج أصحابه إليهم فطردوهم ، ثم نشبت الحرب وأحرق ربض باب شرقي ، وأطلقت النار في عدة مواضع وملكوا الشاغور ، ودخلت الأتراك على خيلهم في البطّاطين وأحرقوا سقيفة وعدّة مواضع ومساجد وعمها الخراب بعد ما كانت عليه من حسن العمارة ، واشتد بالناس الخوف والمضرة ، فاجتمع الناس وكلموا قسّاما بأن يخرجوا إلى القائد بلتكين فيصلحوا الأمر معه فلان لهم وذل بعد تحيره وتبلده ، وقال : افعلوا ما شئتم ، وكان اجتماع الناس لطفا من الله تعالى ، فخرجوا إليه وخاطبوه ، فصرف أصحابه عن القتال وعن الأبواب ، وانصرف أصحاب قسّام إليه فوجدوه خائفا ، فأخذ كل لنفسه ، ورجع المشاريخ إلى قسّام فقالوا له : قد أجاب القائد الى ما تحب وأمنك على نفسك وأصحابك ،