الحال لا يأذن لأحد من عسكره في التسرع الى قتال أحد من المسلمين من رجال البلد وعوامه ، تحرجا من إراقة الدم فيما لا يجدي نفعا ، إذ كانوا يحملهم الجهل والغرور على التسرع والظهور ، ولا يعودون إلا خاسرين مفلولين ، وأقام على هذه الصورة ، ثم رحل الى ناحية الأعوج لقرب عسكر الافرنج ، وعزمهم على قصده ، واقتضى رأيه الرحيل الى ناحية الزبداني استجرارا لهم ، وأفرق من عسكره فريقا يناهز أربعة آلاف فارس ، مع جماعة من المقدمين ، ليكونوا في أعمال حوران مع العرب ، لقصد الأفرنج ولقائهم وترقبا لوصولهم ، وخروج العسكر الدمشقي إليهم ، واجتماعهم [بهم] ثم يقاطع عليهم (١).
واتفق أن عسكر الأفرنج وصل عقيب رحيله الى الأعوج ، ونزل به في اليوم الثالث من شهر ربيع الأول سنة ست وأربعين ووصل منهم خلق كثير الى البلد ، لقضاء حوائجهم ، وخرج مجير الدين ومؤيده في خواصهما ، وجماعة وافرة من الرعية ، واجتمعا بملكهم وخواصه وما (١٧٠ ظ) صادفوا عندهم شيئا مما هجس في النفوس من كثرة ، ولا قوة ، وتقرر بينهم النزول بالعسكرين على حصن بصرى ، لتملكه ، واستغلال أعماله.
ثم رحل عسكر الأفرنج الى رأس الماء ، ولم يتهيأ خروج العسكر الدمشقي إليهم لعجزهم واختلافهم ، وقصد من كان بحوران من العسكر النوري ، ومن انضاف إليهم من العرب في خلق كثير ، ناحية الأفرنج ، للايقاع بهم والنكاية فيهم ، والتجأ عسكر الأفرنج الى لجاة حوران للاعتصام بها ، وانتهى الخبر الى نور الدين ، فرحل ونزل على عين الجر ، من البقاع ، عائدا
__________________
(١) في الأصل : «واجتماعهم ثم تقاطع عليهم» وقد زيد ما بين الحاصرتين وقومت العبارة من الروضتين : ١ / ٩٠.