على مذهب الإمام أبي حنيفة (١٧٥ ظ) رحمهالله ، ما هو مشهور شائع ، مع الورع والدين والعفاف والتصون ، وحفظ ناموس الدين ، والعلم والتواضع والتردد الى الناس على طريقة مرضية ، وسجية محمودة ، لم يشاركه فيها غيره ، ووقع الأسف عليه من جميع الخاص والعام ، والتأبين له ، والحزن عليه.
قد مضى من ذكر الرئيس المسيب في حصوله بصرخد ، وتقرر بعد ذلك تطييب نفس مجاهد الدين ، والحلف له على إزالة ما خامره من الاستيحاش والنفار ما سكن إليه ، واعتمد عليه ، وعاد إلى داره بدمشق أواخر شعبان وصام رمضان فيها ، ثم هجس في خاطره من مجير الدين وخواصه ما أوحشه منهم ، ودعاه ذلك الى الخروج من البلد سرا في يوم الثلاثاء الثاني عشر من شوال طالبا صرخد ، فحين عرف خبره ، نهض في طلبه وقص أثره جماعة من شوال طالبا صرخد ، فحين عرف خبره ، نهض في طلبه وقص أثره جماعة من الخيل ، فأدركوه وقد قرب من صرخد ، فقبض عليه ، وأعيد الى القلعة بدمشق واعتقل بها اعتقالا جميلا.
وحدث في هذه الأيام من تتابع الأمطار في الأماكن والثلوج في الجبال والأعمال البقاعية ، ما لم ير مثله ، ثم ذاب الثلج ، وسالت بمائه الأودية والشعاب ، وساح على الأرض كالسيل الجارف ، وامتلأت به الأنهار ، والتقت الشطط ، وأفسد ما مر به من الأراضي المنخفضة ، ووصل المد الى بردى ، وما قرب منها ، ورؤي من كثرته وعظمه وتغير لونه ما كثر التعجب منه ، والاستعظام له ، فسبحان مالك الملك ، منزل الغيث من بعد القنوط ، إنه على كل شيء قدير.
ثم تجدد عقيب ذلك من الرئيس الوزير حيدرة المقدم ذكره أشياء ظهرت عنه ، مع ما في نفس الملك مجير الدين منه ، ومن أخيه المسيب ، والمعرفة بالسعي والفساد ما اقتضت الحال استدعاءه الى القلعة ، على حين غفلة منه ، وعن القضاء النازل به ، لسوء أفعاله ، وقبح ظلمه وخبثه ، ثم عدلت به