الجندارية الى الحمام بالقلعة ، في يوم الأحد مستهل ذي القعدة من السنة ، وضربت عنقه صبرا ، وأخرج رأسه ونصب على حافة الخندق ، ثم طيف به والناس يلعنونه ويصفون أنواع ظلمه وتفننه في الأدعية والفساد ، ومقاسمة اللصوص ، وقطاع الطريق على أموال الناس المستباحة بتقريره ، وحمايته ، وكثر السرور بمصرعه ، وابتهج بالراحة منه ، ثم رجعت العامة والغوغاء ، ومن كان من أعوانه على الفساد من أهل العيث والافساد الى منازله وخزائنه ، ومخازن غلته وأثاثه وذخائره ، فانتهبوا منها ما لا يحصى ، وغلبوا أعوان السلطان وجنده عليها بالكثرة ، ولم يحصل للسلطان من ذلك إلا النزر (١٧٦ و) اليسير ، وردّ أمر الرئاسة والنظر في البلد في اليوم المقدم ذكره الى الرئيس رضي الدين أبي غالب عبد المنعم بن محمد بن أسد بن علي التميمي ، وطاف في البلد مع أقاربه ، وسكن أهله ، وسكنت الدهماء ، ولم يغلق في البلد حانوت ولا اضطرب أحد ، واستبشر الناس قاطبة من الخاص والعام والعسكرية ، وعامة الرعية ، وبولغ في إخراب منازل الظالم ، ونقل أخشابها ، وهذه عادة الباري تعالى في الظالمين ، والفسقة المفسدين ، (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (١).
وفي ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وردت الأخبار من ناحية بغداد ، بورود الأخبار إليها من ناحية الشرق باضطراب الأحوال في الأعمال الخراسانية ، وانفلال عسكر السلطان سنجر ، والاستيلاء عليه والقهر ، والاستظهار ، وحصره في دار مملكته بلخ ، والتضييق عليه ، واستدعاء ما في خزائنه من الأموال ، والآلات والذخائر والأمتعة ، والجواهر بخلق عظيم من الغز والتركمان ، تجمعوا من أماكنهم ومعاقلهم ، وحللهم في الأعداد الدثرة ، والتناهي في الاحتشاد والكثرة ، ولم يكن للسلطان سنجر مع كثرة عساكره
__________________
(١) القرآن الكريم ـ هود : ١٠٢.