أسرع النهضة إليهم في العسكر المنصور ، وقد ذكر أن عدتهم سبعمائة فارس من أبطال الاستبارية والسرجندية والداوية ، سوى الرجالة ، فأدركهم قبل الوصول الى بانياس ، وقد خرج إليهم من كان فيها من حماتها ، فأوقع بهم ، وقد كان كمن لهم في مواضع كمناء من شجعان الأتراك ، وجالت الحرب بينهم ، واتفق اندفاع المسلمين بين أيديهم في أول المجال ، وظهر عليهم الكمناء فأنزل الله نصره على المسلمين وخذلانه على المشركين ، فتحكمت من رؤوسهم ورقابم مرهفات السيوف ، بقوارع الحمام والحتوف ، وتمكنت من أجسادهم مشرعات الرماح وصوارم السهام ، بحيث لم ينج منهم إلا القليل ممن ثبطه الأجل ، وأطار قلبه الوجل ، وصاروا بأجمعهم بين قتيل وجريح ومسلوب وأسير وطريح ، وحصل في أيدي المسلمين من خيولهم وعدد سلاحهم وكراعهم وأموالهم وقراطيسهم وأسراهم ، ورؤوس قتلاهم ، ما لا يحد كثرة ، ومحقت السيوف عامة رجالتهم من الأفرنج ، ومسلمي جبل عاملة المضافين إليهم ، وكان ذلك يوم الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الأول ، ووصلت الأسرى والرؤوس من القتلى والعدد الى البلد المحروس ، في يوم الاثنين تاليه ، وأطيف بهم البلد ، وقد اجتمع لمشاهدتهم الخلق الكثير ، والجم الغفير ، وكان يوما مشهودا مستحسنا ، سرت به قلوب المؤمنين ، وأحزاب المسلمين ، وكان ذلك من الله تعالى ذكره وجل اسمه ، مكافأة على ما كان من بغي المشركين ، وإقدامهم على نكث أيمان المهادنة مع المولى نور الدين ، أعز الله نصره ، ونقض عهود الموادعة ، وإغارتهم على الجشارات ومواشي الجلابين والفلاحين المضطرين الى المرعى في الشعراء ، لسكونهم الى الأمن بالمهادنة ، والاغترار بتأكيد الموادعة ، وكان قد أنفذ المولى نور الدين الى بعلبك جماعة من أسرى المشركين ، فأمر بضرب أعناقهم صبرا «ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم» (١) «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» (٢).
__________________
(١) القرآن الكريم ـ المائدة : ٣٣.
(٢) القرآن الكريم ـ الشعراء ٢٢٧.