وتبع هذا الفتح المبين ، ورود البشرى الثانية من أسد الدين ، باجتماع العدد الكثير إليه من شجعان التركمان ، وأنه قد ظفر من المشركين بسرية وافرة ، ظهرت من معاقلهم من ناحية الشمال ، فانهزمت ، وتخطف التركمان منهم من ظفروا به ، ووصل أسد الدين الى بعلبك في العسكر (١٨٤ ظ) من مقدمي التركمان وأبطالهم للجهاد في أعداء الله المشركين ، وهم في العدد الكثير ، والجم الغفير ، واجتمع بالملك العادل نور الدين في يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول ، من السنة ، وتقررت الحال على قصد بلاد المشركين لتدويخها ، وإقامة فرض الغزو والجهاد لمن بها ، والابتداء بالنزول على بانياس ، والمضايقة لها ، والجهاد في افتتاحها ، والله يسهل ذلك بلطفه ويعجله بمعونته.
ووصل نور الدين الى البلد المحروس في يوم الخميس السابع والعشرين من شهر ربيع الأول ، لتقرير الأمر في إخراج آلات الحرب ، وتجهيزها الى العسكر ، بحيث يقيم أياما يسيرة ، ويتوجه في الحال الى ناحية العساكر المجتمعة من التركمان والعرب للجهاد في الكفرة الاضداد ، والله يسهل أسباب الإدالة منهم ، ويعجل البوار والهلاك لهم ، إن شاء الله تعالى.
وفي وقت وصوله شرع في انجاز ما وصل لأجله ، وأمر بتجهيز ما يحتاج إليه من المناجيق والسلاح الى العسكر المنصور ، بالنداء في البلد المحروس ، في الغزاة والمجاهدين ، والأحداث والمتطوعة من فتيان البلد والغرباء ، بالتأهب والاستعداد لمجاهدة الأفرنج أولي الشرك والإلحاد ، وبادر بالمسير في الحال الى عسكره المنصور ، مغذا غير متلوم ، ولا متريث في يوم السبت انسلاخ شهر ربيع الأول ، وتبعه من الأحداث والمتطوعة والفقهاء والصوفية والمتدينين العدد الكثير الدثر المباهي في الوفور ، والكثرة فالله تعالى يقرن آراءه وعزماته بالنصر المشرق المنار ، والظفر بإخراب المردة الكفار ، ويعجل لهم أسباب الهلاك والبوار ، بحيث لا تبقى لهم باقية ، ولا يرى لهم رائحة ، ولا غادية ، وما ذلك على الله تعالى القادر القاهر بعزيز.