ولما كان يوم السبت السابع من شهر ربيع الآخر ، تالي اليوم المقدم ذكره ، عقيب نزول الملك العادل نور الدين على بانياس في عسكره المنصور ، ومضايقته لها بالمنجنيقات والحرب ، سقط الطائر من العسكر المنصور بظاهر بانياس ، يتضمن كتابه الإعلان بورود المبشر من معسكر أسد الدين بناحية هونين في التركمان والعرب ، بأن الافرنج خذلهم الله أنهضوا سرية من أعيان مقدميهم وأبطالهم ، تزيد على مائة فارس سوى أتباعهم ، لكبس المذكورين ظنا منهم أنهم في قل ، ولم يعلموا أنهم في ألوف ، فلما دنوا منهم وثبوا إليهم كالليوث الى فرائسها ، فأطبقوا عليهم بالقتل والأسر والسلب ، ولم يفلت (١٨٥ و) منهم إلا اليسير ، ووصلت الأسرى ، ورؤوس القتلى ، وعددهم من الخيول المنتخبة والطوارق والقنطاريات الى البلد في اليوم الإثنين تالي اليوم المذكور ، وطيف بهم فيه فسرت القلوب بمشاهدتهم ، وأكثروا الشكر لله على هذه النعمة المتسهلة بعد الأولى المتكملة ، والله المأمول لتعجيل هلاكهم وبوارهم ، وما ذلك على الله بعزيز ، وتتلو هذه الموهبة المجددة سقوط الطائر من المعسكر المحروس ببانياس في يوم الثلاثاء يتلوا المذكور ، بذكر افتتاح مدينة بانياس قهرا ، على مضي أربع ساعات من يوم الثلاثاء المذكور عند تناهي النقب ، واطلاق النار فيه ، وسقوط البرج المنقوب ، وهجوم الرجال فيه ، وبذل السيف في قتل من فيه ، ونهب ما حواه ، وإنهزام من سلم الى القلعة وانحصارهم بها ، وأن أخذهم بمشيئة الله تعالى لا يبطىء ، والله يسهله ويعجله.
واتفق بعد ذلك للأقضية المقدرة أن الأفرنج تجمعوا من معاقلهم ، عازمين على استنقاذ الهنفري ، صاحب بانياس ، ومن معه من أصحابه الأفرنج المحصورين بقلعة بانياس ، وقد أشرفوا على الهلاك ، وبالغوا في السؤال للأمان للمولى نور الدين ، ويسلمون ما في أيديهم من القلعة ، وما حوته لينجو سالمين ، فلم يجبهم الى ما سألوه ورغبوا فيه ، فلما وصل ملك الأفرنج في جمعه من الفارس والراجل من ناحية الجبل على حين غفلة من العسكرين