النازلين : على بانياس لحصارها ، والنازل على الطريق لمنع الواصل إليها ، اقتضت السياسة الاندفاع عنها ، بحيث وصلوا إليها واستخلصوا من كان فيها ، فحين شاهدوا ما عم بانياس من خراب سورها ، ومنازل سكانها ، يئسوا من عمارتها بعد خرابها ، وذلك في أيام من العشر الأخير من شهر ربيع الآخر.
وفي يوم الأربعاء التاسع من جمادى الأولى سقطت الأطيار بالكتب من المعسكر المحروس النوري ، تتضمن الإعلام بأن الملك العادل نور الدين ، أعز الله نصره ، لما عرف أن معسكر الكفرة الأفرنج على الملاحة بين طبرية وبانياس ، نهض في عسكره المنصور من الأتراك والعرب ، وجد في السير ، فلما شارفهم ، وهم غارون ، وشاهدوا راياته قد أظلتهم ، بادروا بلبس السلاح والركوب ، وافترقوا أربع فرق ، وحملوا على المسلمين ، فعند ذلك ترجل (١٨٥ ظ) الملك نور الدين ، وترجلت معه الأبطال ، وأرهقوهم بالسهام وخرصان الرماح ، فما كان إلا كلا ولا ، حتى تزلزلت بهم الأقدام ، ودهمهم البوار والحمام ، وأنزل الله العزيز القهار نصره على الأولياء الأبرار ، وخذلانه على المردة الكفار ، وتمكنا من فرسانهم قتلا وأسرا ، واستأصلت السيوف الرجالة ، وهم العدد الكثير ، والجم الغفير ، ولم يفلت منهم على ما حكاه الخبير الصادق غير عشرة نفر ، ممن ثبطه الأجل ، وأطار قلبه الوجل ، وقيل إن ملكهم لعنهم الله فيهم ، وقيل إنه في جملة القتلى ، ولم يعرف له خبر ، والطلب مجد له ، والله المعين على الاظفار به ، ولم يفقد من عسكر الإسلام سوى رجلين أحدهما من الأبطال المذكورين ، قتل أربعة من شجعان الكفرة ، وقتل عند حضور أجله ، وانتهاء مهله ، والآخر غريب لا يعرف ، فكل منهما مضى شهيدا ، مثابا مأجورا ، رحمهماالله ، وامتلأت أيدي العسكرية من خيولهم ، وعددهم وكراعهم ، وأثاث سوادهم الشيء الذي لا يحصى كثرة ، وحصلت كنيستهم في يد الملك نور الدين بآلاتها المشهورة ، وكان فتحا من الله القادر