وفي آخر ليلة الأربعاء الثالث والعشرين من رجب من السنة ، وافت زلزلة عند تأذين الغداة ، روعت القلوب ، وأزعجت النفوس ، ثم سكنت بقدرة الله الرؤوف الرحيم ، ثم وافت أخرى عقيب الماضية ، في ليلة الخميس وقت صلاة الغداة ، ثم سكنت بقدرة الله تعالى.
وورد الخبر من العسكر المحروس بأن الافرنج خذلهم الله ، تجمعوا ، وزحفوا الى العسكر المنصور ، وأن المولى نور الدين نهض في الحال في العسكر ، والتقى الجمعان ، واتفق ان عسكر الاسلام حدث [فيه](١) لبعض المقدمين فشل ، فاندفعوا وتفرقوا بعد الاجتماع ، وبقي نور الدين ثابتا بمكانه ، في عدة يسيرة من شجعان غلمانه ، وأبطال خواصه ، في وجوه الأفرنج ، وأطلقوا فيهم السهام ، فقتلوا منهم ، ومن خيولهم العدد الكثير ، ثم ولّوا منهزمين خوفا من (١٩٢ و) كمين يظهر عليهم من عسكر الإسلام ، ونجىّ الله وله الحمد نور الدين من بأسهم ، بمعونة الله تعالى له ، وشدة بأسه ، وثبات جأشه ، ومشهور شجاعته ، وعاد الى مخيمه سالما في جماعته ، ولام من كان السبب في اندفاعه بين يدي الأفرنج ، وتفرق جمع الأفرنج الى أعمالهم.
وراسل ملك الأفرنج في طلب الصلح والمهادنة ، وحرص على ذلك ، وترددت المراسلات بين الفريقين ، ولم يستقر حال بينهما ، وأقام العسكر المنصور بعد ذلك مدة ، ثم اقتضى الرأي السعيد الملكي النوري ، الانكفاء الى البلد المحروس ، فوصل إليه في يوم ... (٢) من شعبان من السنة.
ولما كان في أواخر أيام من رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ، تجمع قوم من سفهاء العوام ، وعزموا على التحريض للملك العادل نور الدين على
__________________
(١) أضيف ما بين الحاصرتين من الروضتين : ١ / ١٣٠.
(٢) فراغ بالأصل ، وحين روى صاحب الروضتين : ١ / ١٣٠ الخبر عن ابن القلانسي اختصر نهايته فلم يذكر تاريخ عودة نور الدين الى دمشق.