إعادة ما كان أبطله ، وسامح به أهل دمشق من رسوم دار البطيخ ، وعرصة البقل والأنهار ، وصانهم من إعنات شر الضمان ، وحوالة الأجناد ، وكرروا بسخف عقولهم الخطاب ، وضمنوا القيام بعشرة آلاف دينار بيضاء ، وكتبوا بذلك ، حتى أجيبوا الى ما راموه ، فشرعوا في فرضها على أرباب الأملاك من المقدمين والأعيان والرعايا ، فما اهتدوا الى صواب ، ولا نجح لهم رأي في خطاب ولا جواب ، وعسفوا الناس بجهلهم ، بحيث تألموا ، وأكثروا الضجيج ، والاستغاثة الى الملك العادل نور الدين ، فصرف همه الى النظر في هذا الأمر ، فنتجت له السعادة ، وايثار العدل في الرعية في إعادة ما أشكل الى ما كان عليه ، فلما كان يوم الاثنين العاشر من شهر رمضان أمر بإعادة الرسوم المعتادة الى ما كانت من أماتتها وتعفية أثرها ، وأضاف الى ذلك تبرعا من نفسه إبطال ضمان الهريسة والجبن واللبن ، ورسم بكتب منشور يقرأ على كافة الناس بإبطال هذه الرسوم جميعها ، وتعفيه ذكرها ، فبالغ العالم في ذلك من مواصلة الأدعية للملك العادل ، والثناء عليه ، والنشر لمحاسنه ، فالله تعالى يستجيب منهم ، ويديم أيامه ويقرن أيامه بالسعادة والنصر ، لأوليائه وأعلامه.
وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من شهر رمضان من السنة ، وصل الحاجب محمود المسترشدي (١) من ناحية مصر بجواب ما تحمّله من المراسلات من الملك الصالح متولي أمرها (١٩٢ ظ) ، ومعه رسول من مقدمي أمرائها ، ومعه المال المنفذ برسم الخزانة الملكية النورية ، وأنواع الأثواب المصرية والجياد العربية ، وكانت فرقة من الأفرنج خذلهم الله قد ضربوا لهم
__________________
(١) في الأصل «محمود المولد من ناحية مصر بجواب ما تحملنا» وقد أصاب بعض العبارات تصحيف تمّ تقويمه من الروضتين : ١ / ١٢١. وكان المسترشدي رسول نور الدين ، وبصحبته الأمير عز الدين أبو الفضل غسان بن محمد بن جلب ، وقد جهز الملك الصالح «رسول محمود بن زنكي بجواب رسالته ، ومعه هدية منها من الأسلحة وغيرها ما قيمته ثلاثون ألف دينار ، ومن العين ما مبلغه سبعون ألف دينار تقوية له على جهاد الافرنج». اتعاظ الحنفا : ٣ / ٢٣٣ ـ ٢٣٦.