نور الدين ، فلما وقف عليها في يوم الخميس من العشر الثاني من المحرم من السنة الجديدة ، وجدها من أمين الدين زين الحاج أبي القاسم ، متولي ديوانه ، ومن عز الدين متولي ولاية القلعة مملوكه ، ومن محمد جغري أحد حجابه ، الى أخيه نصرة الدين أمير ميران ، صاحب حران ، بإعلامه بوقوع اليأس من أخيه الملك العادل ، ويحضونه على المبادرة والإسراع الى دمشق ، لتسلم إليه فلما عرف ذلك ، عرض الكتب على أربابها ، فاعترفوا باعتقالهم ، وكان في جملتهم الرابع لهم سعد الدين عثمان ، وكان قد خاف ، فهرب قبل ذلك بيومين ، وورد في الحال كتاب صاحب قلعة جعبر يخبر بقطع نصرة الدين مجدا الى دمشق ، فأنهض أسد الدين في العسكر المنصور ، لرده ومنعه من الوصول ، فاتصل به خبر عوده الى مقره ، عند معرفته بعافية الملك العادل أخيه ، فعاد أسد الدين في العسكر الى البلد.
ووصلت رسل الملك من (١٩٤ و) ناحية الموصل بجواب ما تحملوه الى أخيه قطب الدين ، وفارقوه ، وقد برز في عسكره ، متوجها الى ناحية دمشق ، فلما فصل عن الموصل ، اتصل به خبر عافية الملك نور الدين ، فأقام بحيث هو ، ونفذ الوزير جمال الدين أبا جعفر محمد بن علي ، لكشف الحال ، فوصل الى دمشق في يوم السبت الثامن من صفر سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، في أحسن زي ، وأبهى تجمل ، وخرج الى لقائه الخلق الكثير ، وهذا الوزير قد ألهمه الله تعالى من جميل الأفعال ، وحميد الأخلاق ، وكرم النفس وإنفاق ماله في أبواب البر والصلات والصدقات ، ومستحسن الآثار في مدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم ومكة والحرم والبيت [المعظم شرفه الله تعالى](١) ما قد شاع ذكره ، وتضاعف عليه مدحه وشكره ، واجتمع مع الملك العادل نور الدين ، وجرى بينهما من المفاوضات والتقريرات ، ما انتهى عوده الى
__________________
(١) زيد ما بين الحاصرتين من الروضتين : ١ / ١٢٢.