جهته ، بعد الاكرام له ، وتوفيته حقه من الاحترام ، وأصحبه برسم قطب الدين أخيه ، وخواصه من الملاطفة ، ما اقتضته الحال الحاضرة ، وتوجه معه الأمير الاسفهسلار أسد الدين شيركوه ، في خواصه يوم السبت النصف من صفر ، من السنة المذكورة.
وقد كان وصل من ملك الروم رسول من معسكره ، ومعه هدية أتحف بها الملك العادل ، من أثواب ديباج ، وغير ذلك ، وجميل خطاب ، وفعال (١) وقوبل بمثل ذلك ، وعاد إليه في أواخر صفر من السنة ، وحكي عن ملك الأفرنج ، خذله الله أن المصالحة بينه وبين ملك الروم ، تقررت ، والمهادنة انعقدت ، والله يرد بأس كل واحد منهما الى نحره ، ويذيقه عاقبة غدره ومكره ، وما ذلك على الله بعزيز.
وفي العشر الثاني من صفر من السنة توجه الحاجب محمود المسترشدي الى مصر عائدا مع رسلها ، كتب الله سلامتهم ، بجرايات ما كان ورد معهم من مكاتبات الملك العادل الصالح ، متولي أمرها عن الملك العادل نور الدين أعز الله نصره.
ووردت أخبار من ناحية ملك الروم باعتزامه على أنطاكية ، وقصد المعاقل الاسلامية ، فبادر الملك العادل نور الدين بالتوجه الى البلاد الشامية ، لإيناس أهلها من استيحاشهم من شر الروم والأفرنج ، خذلهم الله ، فسار في العسكر المنصور ، صوب حمص وحماة وشيزر ، والاتمام الى حلب الى أن اقتضت الحال ذلك ، في يوم الخميس الثالث من شهر ربيع الأول من السنة (١٩٤ ظ) وفي ليلة الأحد الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول من السنة ، وافت في انتصافه زلزلة هائلة ماجت أربع موجات ، أيقظت النيام ، وأزعجت اليقظى ، وخاف كل ذي مسكن مضطرب على نفسه ، وعلى مسكنه ، ثم
__________________
(١) في الأصل «وبغال» وهي تصحيف صوابه من الروضتين : ١ / ١٢٣.