ونظر المعز في أمره فإذا ليس له به طاقة ، فأعمل فكرته ورويته في أمره وشاور أهل الرأي من خاصته وجنده في أمره فقالوا : ليس فيه حيلة غير فلّ عسكره ، وليس يقدر على فلّه إلّا بابن جراح ، فبذلوا له مائة ألف دينار على أن يفل لهم عسكره ، فأجابهم إلى ذلك ، ثم نظروا في كثرة المال فاستعظموه ، فضربوا دنانير من صفر وطلوها بالذهب وجعلوها في أكياس ، وجعلوا في رأس كل كيس منها يسيرا من دنانير الذهب الخلاص ، وحملوها الى ثقة ابن جراح ، وقد كانوا توثقوا منه وعاهدوه على الوفاء ، وترك الغدر إذا وصل المال إليه ، فلما عرف وصول المال إليه عمل في فلّ عسكر القرمطي ، وتقدم إلى أكثر أصحابه أن يتبعوه إذا تواقف العسكران ، ونشبت الحرب.
فلما اشتد القتال ولّى ابن جراح منهزما وتبعه أصحابه ، فكان في جمع كثيف ، فلما نظر إليه القرمطي قد انهزم في عسكره بعد الاستظهار والقوة ، وتحيّر في أمره ، ولزمه الثبات والمحاربة بعسكره وأجهد نفسه في القتال حتى يتخلص ، ولم يكن له بهم طاقة ، وكانوا قد أرهقوه بالحملات من كل جانب ، وقد قويت نفوس المغاربة بانفلال ابن جراح ، فخاف القرمطي على نفسه فانهزم فاتبعوا أثره وطلبوا معسكره ، فظفروا بمن فيه ، وأسروا منه تقدير ألف وخمسمائة رجل ، وانتهبوا سواده وما فيه ، وضربوا أعناق من أسروه ، وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
ثم جرّدوا في طلب القرمطي القائد أبا محمود بن إبراهيم بن جعفر في عشرة آلاف رجل فاتبعه وتثاقل في سيره خوفا من رجوعه عليه ، وتم القرمطي على حاله في انهزامه حتى نزل على أذرعات (١) ، وانفذ أبا المنجا في طائفة من
__________________
(١) هي مدينة درعا الحالية في سورية.