إلى أفامية ، وعاد منجوتكين في العسكر في السنة الثانية إلى حلب ونزل عليها ، وصالح بن علي المقدم معهم ، وكان يوقع للغلمان بجراياتهم وقضيم دوابهم إلا أفامية ويمضون خمسة وعشرون فرسخا ويعودون بها ، وأقاموا ثلاثة عشر شهرا ، وبنوا الحمامات والأسواق والخانات ، وأبو الفضائل ولؤلؤ قد تحصنا بالبلد وقد اشتد الأمر بها وفقدت الأقوات عندهما ، وكان لؤلؤ يبتاع القفيز من الحنطة بثلاثة دنانير ويبيعه على الناس بدينار واحد رفقا لهم ، ويفتح الباب ويخرج من الناس من أراد من الفقراء من الجوع وطول المقام ، وقد كان أشير على منجوتكين بتتبع من يخرج وقتله ليمتنع الناس من الخروج ويزيد ضيق الأمر عليهم فلم يفعل.
وعند ذلك أعاد لؤلؤ ملكونا الذي أرسله أولا إلى بسيل ملك الروم إليه مجددا له السؤال بالإنجاد على ما دهمه من عسكر مصر والاسعاد ، وأعلمه أنه لم يبق فيه رمق إن لم يبادر بمعونته ونصرته ، وأنه متى أخذت حلب وملكت فأنطاكية لاحقة بها (١) ، وكان بسيل متوسطا بلد البلغر ، فقصد ملكونا إليه وأوصل إليه الكتاب وأعاد عليه ما يحمله من الرسائل إليه ، وقال له : متى قصدت أيها الملك هذا الخطب بنفسك لم يقف أحد من عساكر المغاربة بين يديك واستخلصت حلب وحفظت أنطاكية وسائر أعمالها ، وإن تأخرت ملك جميع ذلك.
فلما سمع ملك الروم ما قاله الرسول المذكور سار من وقته طالبا حلب ، وبينه وبينها مسيرة ثلاثمائة فرسخ فقطعها في ستة عشر يوما في ثلاثة آلاف فارس وراجل من الروم والروسية والبلغر والخزر ، وكان الزمان ربيعا وقد سرّح العسكر المصري كراعه في المروج لترتبع فيها ، فهجمت الروم على العسكر على غفلة وغرة ، فأرسل (٣١ و) لؤلؤ إلى منجوتكين يقول له : إن
__________________
(١) يضيف صاحب مرآة الزمان «ومتى أخذت أنطاكية أخذت قسطنطينية» (حوادث سنة ٣٨١ ه).