عصمة الاسلام الجامعة بيني وبينك وبين عساكرك تبعثني على إنذارك ، وهذا عسكر الروم قد أظلّكم في الجمع الكثير ، فخذوا لأنفسكم وتيقنوا لأمركم ولا تهملوا حذركم ، ووردت جواسيس منجوتكين وعيونه من الجهات والطلائع عليه بمثل ذلك ، فأحرق الخزائن والأسواق ورحل في الحال منهزما ، وأشار العرب عليه بأن ينزل أرض قنسرين ويملك الماء ويستدعي كراعه من مروج أفامية ، ويثبت للقاء العدو ويحرضه على بذل الجهد واستفراغ الوسع في الجهاد ، فلم يفعل ، وامتدت به الهزيمة إلى دمشق.
ووافى ملك الروم فنزل على باب حلب وشاهد من موضع منزل المغاربة ما هاله وعظم في عينه ، وخرج إليه أبو الفضائل ولؤلؤ وخدماه ، ورحل في اليوم الثالث إلى الشام ، ونزل على شيزر وفيه منصور بن كراديس أحد قواد المغاربة ، فقاتله في الحصن يوما واحدا ولم يستطع الثبات له لخلو الحصن من العدد وآلات الحرب وأقوات المقام على الحصار ، فراسله بسيل وبذل له الأمان على نفسه ومن معه في الحصن ، وأن يعطيه مالا وثيابا على تسليمه ، فسكن إلى ذلك وسلمه ، ووفى له بسيل بجميع ما بذله من المال والأمان والعطاء ، فرتب في الحصن نوابه وثقاته ، وسار قاصدا إلى طرابلس الشام ، وافتتح في طريقه حمصا ، وسبى منها ومن رفنية وأعمالها ما يزيد على [عشرة آلاف ثم نزل على](١) ثغر طرابلس ، وهو بري بحري متين القوة والحصانة شديد الامتناع على منازله ، وأقام عليه نيفا وأربعين يوما يحاول افتتاحه أو وجود فرصة في تملكه ، فلم يتم له فيه أمر ولا مراد فرحل عنه قافلا الى بلاد الروم.
وانتهت الأخبار بذلك إلى العزيز بالله فعظم ذلك عليه ، وأمر بالاستنفار إلى الجهاد والنداء في الغزاة وسائر الأجناد فنفر الناس ، وخرج مستصحبا
__________________
(١) زيد ما بين الحاصرتين من مرآة الزمان (حوادث سنة ٣٨١) ولمزيد من التفاصيل حول حصار طرابلس انظر تاريخ يحيى بن سعيد : ١٧٦.